مقال : هدم طقوس عيد الاستقلال و إعادة بناء شروط الحدث.
هدم طقوس عيد الاستقلال و إعادة بناء شروط الحدث.
تُفاخِر كل أمة وسط نظيراتها من مختلف أطياف ومكونات المنتظم الدولي باستحضار محطات أساسية من تاريخ بناء كيانها وهويتها، ولا يَشُذُّ المغرب عن هذه القاعدة. من خلال سعيه المستديم وفق الوعي الجماعي للاحتفال بعيد الاستقلال كذكرى لمحطة تاريخية استطاع فيها بناء أول لبنة لاستقلال الدولة المغربية عن الحماية الاستعمارية، والتبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للمستعمر. هذا الاحتفال الذي يجب ويتحتم بمنطق الضرورة التاريخية أن يعاد كل سنة لا بتركيز على الاحتفال في حد ذاته، بل بتوظيفه كمؤشر على سير هذه الأمة الحثيث والمستديم في مسار الاستقلال الفعلي في كل قراراتها المرتبطة بمختلف مكوناتها الهوياتية.
لكن السؤال المطروح في هذا السياق يحوم حول الانخراط الجماعي لكل مكونات الأمة المغربية أفرادا ومؤسسات وجماعات وتنظيمات في هذا الاحتفال بهذا المعنى؟
وهو سؤال منطقي ومشروع وجوهري لكل مكون من مكونات الثقافة المغربية، تتحقق فيه الشروط السوية للهوية المغربية وينخرط عن اقتناع في السير قدما في سيرورة هذا البناء. وبما أن الاحتفال يكون سنويا، فإن التقويم يجب أن يكون أيضا كذلك. بمعنى، أنه قبل أي احتفال يجب جرد وتعزيز ما تم تحققه في هذه السيرورة البنائية، بموازاة مع تقديم رهانات ما هو مقبل من السنوات. وهي جزء فقط من الأسس التي يجب أن يقوم عليها أي احتفال من الاحتفالات الوطنية.
يرتبط هذا المستوى من التحليل بما هو شكلي، في حين يجب على التحليل المضموني أن يسائل الذات الفردية والجماعية حول حقيقة هذا الاستقلال في حد ذاته؛ هل فعلا ينعم المغرب باستقلال تام عن التبعية لقوى خارجية؟ وإن افترضنا جدلا تحقق هذا الاستقلال، هل نعني به استقلالا عسكريا وسياسيا، أم نعني استقلالا اقتصاديا، أم ثقافيا واجتماعيا؟ أم الأمر يتعلق بكل ذلك؟
سياسيا وعسكريا، هل تتمتع قراراتنا السياسية والعسكرية بكامل الحرية دون إملاءات خارجية معينة؟ وهل كل الثغور والأقاليم المغربية تحت سيادة الدولة المباشرة؟ في هذا المسار تطفو على السطح قضيتا سبتة ومليلية كمثالين على ما يجب استحضاره عند القول بأننا ننعم باستقلال سياسي وعسكري. إضافة إلى الإيديولوجيات الخارجية التي تؤطر بعض التيارات السياسية في بلدنا، وترسم لها خرائط طرق لتدجين المشهد السياسي في المغرب، من خلال التوظيف السيئ لهامش الديمقراطية والحرية التي ضمنهما الدستور المغربي في آخر نسخه (2011).
اقتصاديا، هل يمكن أن نغني باستقلالنا الاقتصادي وسط قوانين اقتصادية تملى من لوبيات صناعية وفلاحية كبرى، تجعل رعايا المغرب الفلاحي يستهلكون ما يُستورَد مع إمكانية إنتاجه محليا؟ وتجعل بلدا يزخر بالطاقات والموارد المادية والبشرية الخبراتية يلوي عنق القوانين الاقتصادية لاستخراج بنود تخدم باطرونا خارجية، وتنتج سلعا هامش الربح فيها يفوق تكاليف الإنتاج بأكثر من مرات في أغلب الحالات.
ثقافيا واجتماعيا على الخصوص، هل يتمتع المثقف المغربي بالأصالة المغربية، ويتشبع بالروح الوطنية اللازمة للإسهام الفاعل في التنوير، وإعطاء النماذج لباقي أطياف المجتمع، وخاصة منهم الشباب. وهل يتأسس الإنتاج الثقافي والفني المغربي على مبدأ التوعية المواطنة في كل أعماله؟
شخصيا، لا يمكن أن أحيد عن الإيمان بالقول المشهور: “وطني وإن جار علي عزيز”، وبالتالي لابد أن يكون سعيي مستديما قولا وفعلا للمشاركة في بناء وطن ينافس في عالم متسارع التطور، ليتبوأ أحسن المراتب ثقافيا واقتصاديا… وتكون له نماذج أصيلة في السياسات التربوية والخدماتية الأخرى من إدارة وصحة وأمن ورياضة…
إلى حين تحقق هذه الرؤية، وتنزيل هذا الخطاب من الرفوف النظرية إلى العمل الميداني ليصبح دستورا لكل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، سأظل أحلم دوما باستقلال حقيقي للمغرب على مختلف الأصعد، استقلالا يجعلني أحتفل به سنويا وأنا أرقص طربا وفرحا بما حققناه كل سنة، لأجدد نشاطي وهمتي لمواصلة البناء الجماعي لمغرب ديمقراطي ينصف كل طاقاته ويشجعها، وحر في اختياراته بعيدا عن إملاءات الأجندات الخارجية، ومحصن لأبنائه ضد كل استلاب خارج الهوية الثقافية المغربية…
بقلم ذ.محمد لهلالي
الجرائد الناشرة:
1- المواطن اليوم على الرابط:
2 - فاس بريس على الرابط:
3 - صفرو سوريز على الرابط: