صوفي لايف

درس نموذجية العلوم التجريبية / مفهوم العلمية في العلوم الإنسانية / مجزوءة المعرفة

 خطاطة الدرس (قيد الإعداد)



فيديو الدرس (قيد التسجيل)


ملخص الدرس


المحور الثالث : نموذجية العلوم التجريبية


تأطير إشكالي للمحور 

تطرح نموذجية العلوم التجريبية نفسها كمعيار أو أساس يمكن تبنيه لإحقاق وتحقيق علمية العلوم الإنسانية وضمانها. فهل يصلح نموذج العلوم التجريبية حقا للتطبيق على العلوم الإنسانية؟ وأي حد من العلمية يمكن أن يحققه في هذه العلوم؟ ثم هل يمكنه أن يوصلها إلى تحقيق ما حققته العلوم التجريبية من علمية أم أنه ينبغي على العلوم الإنسانية أن تفكر في مناهج خاصة بها؟


موقف فيليب لابروت طولرا وَ جون بيير وارنيي

يعتبران التداخل القائم بين الذات والموضوع کوضع إبستيمولوجي تشهده العلوم الإنسانية، ينبغي أن يجعل الباحث كذات تدرك الموضوع، وأن تكون على استعداد لفهمه باعتباره مخالفها وأخرها؛ وذلك انطلاقا من محددات منهجية، تجعل الذات تنخرط في موضوع دراستها أو بحثها وتتفاعل معه، بل وتتحكم في علاقتها معه، وتلك تشكل مناسبة لتكيف المنهج التجريبي مع خصوصية الظاهرة الإنسانية. كما تبين أن لا قطيعة بين العلوم الإنسانية وعلوم الطبيعة، ما دامت الفيزياء المعاصرة نفسها تأخذ بعين الاعتبار عامل تدخل الملاحظ. (عندما تركز الإبستيمولوجيا المعاصرة على الحضور الضروري للذات في العلوم الإنسانية، فإنها لا تفعل شيئا آخر غير تحديد المطالب المنهجية الإضافية، التي ينبغي على العقل استيفاؤها لتكوين هذه العلوم).


موقف موريس ميرلوبونتي

يرى بأن الذات هي أساس كل معرفة ؛ فتجربتها المعيشة هي التي تشكل أساس المعرفة بذواتنا وعالمنا، لأن كل ما يستطيع الإنسان إدراكه واقعيا وبطريقة علمية، يتم عبر التجربة الذاتية الخاصة، التي تعبر عن عالم المعيش، هذا العالم الذي يبنى عليه عالم العلم بكامله، فيكون هذا الأخير تحديدا بعديا لتجربة العالم المعيش هاته وتفسيرا لها؛ وبذلك ينتقد (ميرلوبونتي) المعرفة العلمية الوضعية التي تتجاهل تجربة الذات، وتعتبرها مجرد لحظة من لحظات العالم أو موضوعا شيئيا. (إن وجهة النظر العلمية التي أكون بمقتضاها مجرد لحظة من لحظات العالم هي دائما وجهة نظر خادعة... يكون العالم حولي حسبها موضوعا ولا يوجد لأجلي).


موقف جان لادريير

يناقش النموذج العلمي المناسب لدراسة الظواهر الإنسانية، ويتردد في ذلك بين المنهج الذي أثبت جدارته في علوم الطبيعة، وهو النموذج الوضعي الذي يقارب الظاهرة المدروسة كشيء خارج ذات الباحث ؛ أي المماثلة الصورية بين الأنساق المادية والوقائع الاجتماعية. والمنهج التفهمي الذي يتخلى عن منهج العلوم الطبيعية، ويعنى بكل ما يتصل بنظام الدلالات ونسق المقاصد والغايات والقيم؛ أي كل ما يكون الوجه الداخلي للفعل، ولذلك فهو يخلص إلى ضرورة بل وأهمية تدشين صورة للعلمية مغايرة للعلمية في علوم الطبيعة. (إن الشيء الذي يظهر مهما في النهاية... ليس هو فكرة العلمية، بل هو عملية تطورية مماثلة في إطار مخالف لذلك الذي تولدت عنه علوم الطبيعة).


موقف إيميل دوركاييم

لا يمكن دراسة الظواهر الاجتماعية دراسة علمية، إن لم يكن التعامل معها كأشياء ؛ أي كوقائع خارجية تنفصل عن ذواتنا، وتجعلنا نتعامل بكثير من الحياد والموضوعية والصرامة العلمية على غرار ما يوجد في العلوم الطبيعية، وهذا ليس معناه القول بأن الظواهر الاجتماعية هي أشياء مادية، ولكنها جديرة بأن توصف بأنها «أشياء» أي كالظواهر الطبيعية تماما. ومن ثم فما ينطبق على هذه الأخيرة منهجيا، يشكل نموذجا يقتدى به لدى العلوم الإنسانية. (يجب ملاحظة الظواهر الاجتماعية على أنها أشياء).


تركيب عام للمحور

يتبين من المواقف السابقة أن تطبيق النموذج العلمي التجريبي على العلوم الإنسانية وإن كان ممكنا مع (دوركايم) الذي يقول بأن دراسة الظواهر الاجتماعية من الخارج، تتماشى وهذا النموذج، ومع (طولرا) و(وارنيي) اللذين يؤكدان على انخراط الذات في الموضوع يشكل مناسبة لتكييف المنهج التجريبي مع خصوصية الظاهرة الإنسانية، فإن هذا الأخير يصطدم بالانتقاد الموجه له من طرف (ميرلوبونتي)؛ وذلك من حيث أنه يغفل تجربة الذات الإنسانية في بناء المعرفة العلمية، كما يتواجه مع رؤية (لادريير)، التي تلح على ضرورة البحث عن مناهج خاصة بالعلوم الإنسانية مخالفة لنماذج العلوم التجريبية.


خلاصة عامة لمفهوم العلوم الإنسانية

إن ميلاد العلوم الإنسانية، ورغم طابعه المتأخر، لم يكن ليتم إلا في ارتباط بذاك المشروع الوضعي الساعي إلى تجاوز الخطابات اللاهوتية والميتافيزيقية حول الإنسان، والداعي إلى دراسة الظواهر الإنسانية دراسة علمية، تستلهم النموذج الجاهز للعلوم التجريبية، والذي ينظر إلى الظواهر الإنسانية كظواهر طبيعية يمكن إخضاعها للدراسة والتفسير العلميين باعتبارها وقائع خارجية مستقلة عن ذات الباحث. وذلك رغم ما تعرفه الظاهرة الإنسانية من تعقد، وما تطرحه من مشكلات إبستيمولوجية مرتبطة بالموضوع والمنهج والبناء النظري، فكان علم الاجتماع مقياسا لاختبار تلك العلمية. ولأن الظواهر والأفعال الإنسانية هي ظواهر واعية وإرادية، فقد طرحت أيضا صعوبة في موضعة الظاهرة الإنسانية؛ ولهذا فخصوصيتها أصبحت تؤكد على أهمية الذات باعتبارها واعية وقادرة على التدخل في المعرفة وبناء النظرية العلمية. 

تعليقات حول الموضوع

مواقعنا الإجتماعية

تابعنا على الفيسبوك

اكثر المواضيع تصفحا هذا الاسبوع

اكثر المواضيع تصفحا هذا الشهر

جميع الحقوق محفوظة لمدونة صوفي لايف © 2018