النص 2: بداية فعل التفلسف للفيلسوف فريدريك نيتشه
النص 2: بداية فعل التفلسف ← فريديريك نيتشه
1) إشكالية النص
يحاول صاحب النص الإجابة على السؤال الإشكالي التالي:
ما طبيعة الأسئلة التي تطرحها الفلسفة خاصة في بداياتها الأولى؟وما طبيعة الإجابة التي تقدمها بصدد ذلك؟
2) أطروحة النص
يرى نيتشه في هدا النص أن الفلسفة بدأت بفكرة جديدة وهي أن الماء أصل الأشياء ،خاصة مع طاليس،حيث تم إرجاع تعدد ظواهر الكون إلى عنصر واحد منظم ومفسر هو "الواحد" وفق منهج جديد يعمل على فهم الطبيعة من داخلها وليس من خارجها(ماء،هواء،تراب).
← عناصر الأطروحة:
1. يذهب نيتشه إلى اعتبار أن الفلسفة اليونانية دشنت بدايتها الحقيقية من خلال التساؤل عن أصل الأشياء محاولة إيجاد هدا الأصل داخل الطبيعة ،كعلة أو مبدإ أول.
2. يرى نيتشه أن مسالة البحث عن الأصل لها أهمية بالغة في تحديد خصائص التفكير الفلسفي:
أولا:أن الفيلسوف بدأ يبحث عن تفسير للأشياء وعن علة طبيعية كامنة في الأشياء ذاتها؛ أي تفسير العالم من داخله وليس بشكل مفارق (علة خارجية ).
ثانيا :أن الفلسفة بدأت تعتمد حججا عقلية في البرهنة على هذا "الأصل"، وابتعدت عن السرد الأسطوري والخيالي.
ثالثا: بدأت تُرجع تنوع الأشياء إلى "أصل واحد" ويصل الفيلسوف إلى هذا الأصل بضرب من الحدس.
3. بالرغم من أن الفلسفة بدأت تفسر الطبيعة انطلاقا من تفاعل أشيائها، إلا أنه لا يجوز لنا حسب نيتشه القول إن الفلاسفة الأوائل كانوا علماء،وذلك لأن هؤلاء لم يكن هاجسهم بناء فرضيات فيزيائية وعلمية،وإنما يفسرون تفسيرا شموليا انطلاقا من مسلمات حدسية.
4. إن مسالة البحث عن الأصل ستظل حسب نيتشه موضوع الفلسفة الأساسي . ولو طرحت بصيغ أخرى (الجوهر،الطبيعة،الوجود،الحقيقة...)
3) فهم النص
يشير النص إلى مسلمة "الماء أصل كل الأشياء" كفكرة غريبة، لكن نيتشه يقف عندها لثلاثة أسباب:
- السبب الأول : أن هذه الفكرة تناولت قضية " أصل الأشياء"، وهو سبب لا يُخرِج طاليس عن طائفة المفكرين الدينيين والخرافيين، لأنهم كلهم بحثوا عن أصل للأشياء.
- السبب الثاني: أنه في هذا التناول تجنب طاليس التفسير بواسطة السرد والصور الخيالية، وهو ما جعله يتميز عن الطائفة الأولى، ويُحسَب ضمن علماء الطبيعة.
- السبب الثالث: أن الفكرة نفسها تتضمن مبدأ "الكل واحد"، وهو مسلمة فلسفية تنطلق من حدس فلسفي، جعل طاليس يخرج عن الطائفتين معا، ويصبح أول فيلسوف يوناني .
وتدل عبارة الكل واحد على رغبة الفيلسوف في إرجاع الكثرة الموجودة في الكون إلى عنصر طبيعي واحد هو الماء ( الهواء – النار – التربة) ... وهي عبارة لم تستطع التفسيرات العلمية الاختبارية الساذجة آنذاك إثباتها، لكن طاليس باعتماد نوع من الحدس الفلسفي استطاع ذلك.
4) الإطار المفاهيمي للنص
أصل الأشياء: علل الأشياء وجواهرها التي منها وجدت .
السرد الخيالي: نمط من التفكير يقوم على الكلام الشفوي الغير المنطقي واللامعقول.
فرضية علمية: قضية يضعها العالم ويسلم بها للوصول إلى نتائج.
مسلمة : مبدأ يسلم به الفيلسوف لأنه يفرض نفسه على الفكر بوضوح وتميز.
حدس فلسفي: نمط من المعرفة المباشرة والإدراك الفوري للموضوع من طرف الفكر.
5) الإطار الحجاجي للنص
أسلوب الاستفهام: من خلال الجمل التعبيرية التي تدل عليه: "يبدو"، "هل"... والهدف من هذا الأسلوب إعطاء الأطروحة بعدا إشكاليا تساؤليا.
أسلوب الشرح: من خلال شرح الأسباب التي تساعدنا على الحكم بأن مسالة البحث عن الأصل لها أهميتها في تشكل بوادر صحوة الفكر اليوناني.
أسلوب النفي: من خلال الأدوات "لا"و"غير": نفي الفكرة وإثبات نقيضها.
أسلوب التأكيد: من خلال الأداة المنطقية "إن" ووظيفتها الخروج باستنتاج من خلال ما تقدم، يصل فيه نيتشه إلى التأكيد على أن مسالة البحث في "الأصل" شكلت بداية الفلسفة وستظل تطرح في كل حين كإشكالية فلسفية.
تركيب عام للمحور
شكل ظهور الفلسفة كممارسة إنسانية متميزة حدثا بارزا في تاريخ الفكر البشري ،وعلامة دالة على رشد العقل الإنساني وتجرده من الوعي الحسي البسيط. وقد ارتبطت هذه النشأة بتفاعل مجموعة من الشروط الثقافية والسياسية :
الاستفادة من ثقافات وعلوم الحضارات الشرقية القديمة كالفرعونية و البابلية.
ظهور خطاب جديد مكتوب منظم (لوغوس)، بفعل ظهور الكتابة.
ظهور نظام سياسي هو نظام المدينة الدولة، وما سمح به من حرية في التعبير وإبداء الرأي والمشاركة في اتخاذ القرار.
وقد تجلت بداية فعل التفلسف في البحث عن دلالة المبدأ عند الفيلسوف. ويعني المبدأ أو"الارخي" ،إرجاع تعدد ظواهر الكون إلى عنصر منظم ومفسر هو"الواحد".وسيظل البحث عن هدا الأصل ملازما لتطور الفكر الفلسفي.