صوفي لايف

ملخص وجدول مفهوم الدولة (محاور، إشكالات، فلاسفة، ومواقف)




ملخص يتضمن تأطيرا إشكاليا ومواقف وتركيبا مع جدول خاص بمفهوم الدولة ضمن مجزوءة السياسة  يضم المحاور الثلاثة للمفهوم، وأطروحات ومواقف الفلاسفة المتداولة في الكتب الثلاثة المقررة للثانية باكالوريا.
وجديد هذا المنتوج هو عرضه لأغلبية المواقف الفلسفية المتضمنة في الكتب الدراسية الثلاثة المقررة في المنهاج المغربي، وهي (في رحاب الفلسفة، مباهج الفلسفة، منار الفلسفة) 

مجزوءة السياسة      
تقديم عام لمجزوءة السياسة

يبدو من البديهي أحيانا أن علاقة الشأن الفلسفي بالمجال السياسي قد تتبدى – لنا في شكل تعارض أو تناقض، أو علاقة توتر أو صراع، ومرد هذه المسألة إلى الاعتقاد بأن الفلسفي هو كل ما يرتبط بالنظر والتأمل والحكمة، في حين يحيل السياسي على الفعل والممارسة. أما الصراع فمرجعه هو الطابع النقدي للخطاب الفلسفي الذي كان منذ «سقراط»، «يبعث على الإزعاج»؛ فالسؤال الفلسفي الحقيقي سلاح يخترق المؤسسات والقيم، سؤال يحرج الفيلسوف ويزعج السياسي. فقد قال «أرسطو» من قبل : «الإنسان حيوان سياسي بالطبع»، وها هو أحدهم يسأل الفيلسوف الفرنسي «جان جاك روسو»، هل أنت أمير لتكتب في السياسة؟، فأجاب قائلا: «لا، ولهذا السبب أنا أكتب عن السياسة أو فيها، لأنه لو كنت أميرا أو مشرعا، لما أضعت وقتي في قول ما يجب فعله، وإنما لفعلته أو أحجمت عن الكلام».
 إن هذه المواقف لتكشف - لنا - ضرورة تورط الخطاب الفلسفي في الشأن السياسي، وهو تورط الغرض منه قول ما يجب فعله، لأن هذا الخطاب هو الوحيد القادر على الانفتاح على كل مستويات الوجود الإنساني، ومن هذه المستويات الممارسة السياسية التي تعتبر من أعلى إنتاجات النشاط البشري الجماعي، التي من شأنها أن تجعل المجتمع ينتقل من الوجود الاجتماعي التلقائي إلى الوجود السياسي المنظم والخاضع لضوابط وقوانين العقل ومبادئ الأخلاق. وتشكل الدولة الإطار المؤطر لهذه الممارسة باعتبارها تجسد تلك السلطة ذات السيادة في المجتمع. وهي السلطة التي تخولها التدخل بعنف أحيانا لإعادة مسار العلاقات الإنسانية الاجتماعية إلى توازنه واستقراره . هذا العنف قد ينظر إليه كحق مشروع تلجأ إليه الدولة باعتبار أنه يمكِّنها من أداء وظائفها بالشكل اللازم، لكنه يضع عدالة الدولة ذاتها في قفص الاتهام. وهذا الأمر يطرح أكثر من سؤال مشروع : فما الغاية من ممارسة السلطة السياسية؟ ومن أین تستمد مشروعيتها؟ وهل العنف الذي تلجأ إليه الدولة كوسيلة تروم من خلالها ضبط النظام وتنظيم العلاقات بين الأفراد هو عنف مشروع أم لا؟ وما الذي يمنحه هذه المشروعية؟ ثم ألا يشكل هذا العنف أحيانا مساسا بحقوق الإنسان والعدالة المنشودة وتهديدا لدولة الحق والقانون؟

I-  مــــــــــفـــــــــــهــ ـــــــــوم الـــــــــــــــدولــــــــــــــــــــة
تقديم عام لمفهوم الدولة

 يطلق لفظ الدولة LETAT على مجموع المؤسسات التي تنظم حياة المجتمع في مجال ترابي محدد، هذه المؤسسات تشمل كل مجالات الحياة الاجتماعية التي تتمظهر في النواحي السياسية، الفكرية، القضائية، الإدارية والاقتصادية... إن الدولة، بصفة عامة، هي وسيلة لممارسة السلطة والهيمنة داخل المجتمع باعتبارها سلطة لها مشروعيتها، وذلك بغض النظر عن طبيعتها السياسية التي قد تكون مستمدة من الحق أحيانا ومن العنف أحيانا أخرى. إنها في نفس الوقت هي ما يضمن تنظيم حياة الأفراد والحفاظ على وحدة وتوازن المجتمع بشكل يسمح بسيادة القانون ويخدم المصالح العامة... فما الدولة؟ وكيف تمارس سلطتها السياسية؟ ثم، ما علاقة ممارستها بالعنف؟

-------المحور الأول : مشروعية الدولة وغاياتها -------

تأطير إشكالي للمحور
إذا كانت الدولة هي عبارة عن تنظيم سياسي لجماعة ما على أرض محددة، فإن ما يلاحظ هو أن الدولة نتاج لتطور تاريخي. وإذا كنا لا يمكن أن نتصور الإنسان إلا داخل المجتمع، فإن الإنسان يمكن أن يعيش بدون دولة، كما تشهد على ذلك الجماعات الإنسانية البدائية»، أي أن الدولة حادث تاريخي، وهو ما يمنح المشروعية النظرية للتساؤلين الإشكاليين التاليين: من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما الغاية منها؟
موقف أرسطو
يعتبر أرسطو أن الإنسان حيوان سياسي بطبعه، لكونه لا يقدر على العيش بعيدا عن جماعته الاجتماعية ؛ إذ من المفروض عليه أن ينخرط في مؤسسات العائلة والدولة. وبما أنه كان لزاما أن يتقدم الكل على الجزء من المنظور الأرسطي، فإن فكرة الدولة سبقت وجود الإنسان داخل الأسرة، فالدولة هي التي تؤمن الاكتفاء الذاتي والعيش الرغيد، ومن ثم فغايتها تحصيل الخير والسعادة لسائر الأفراد، وتأمين حياة فاضلة يسودها الخير والعدل والمساواة. « إن الدولة من الأمور الطبيعية، والإنسان من طبعه حيوان مدني». 

موقف طوماس هوبس

يرى أن الغاية من إنشاء الدولة كمجتمع سياسي هي ضمان سلم مدني ومنع حرب دائمة بين الأفراد، فالدولة هي نتاج لميثاق تعاقدي بين البشر، انتقلوا بموجبه من حالة الطبيعة (حرب الكل ضد الكل) إلى حال المدنية. وذلك من خلال تنازل كل فرد بمحض إرادته عن جزء من حريته الخاصة أو سلطته أو قوته لصالح رجل واحد أو مجلس واحد، يخضع له كل أفراد المجتمع ويتمتع بسلطة مطلقة تضمن الأمن والسلم الاجتماعيين،« يسمى اتحاد الكثرة في كيان واحد دولة... وهي التي ندين لها بما نحن فيه من سلام وأمن» .

موقف باروخ اسبينوزا:  

يرفض حصر الغاية من وجود الدولة في الهيمنة والتسلط وفرض الطاعة على الناس، ويرى بأن الغاية من تأسيسها هي تحقيق الحرية وتمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود باعتباره وجودا حرا، دون إلحاق الضرر بالغير، وبالتالي فهذه الحرية التي يشير إليها هي حرية أخلاقية، لا تتعارض مع قوانين العقل؛ بحيث تبتعد عن إلحاق الضرر بالآخرين، كما تحرر الإنسان من العنف والخوف، ومن احتكار الدولة للسيطرة على الأذهان وهذا ما يمنح الدولة مشروعية وجودها وممارستها للسلطة. «الحرية إذن هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة» 

موقف جون لوك

تتأسس مشروعية الدولة على ضرورة حماية أمن الناس وسلامتهم وممتلكاتهم ( الحياة، الحرية، سلامة البدن، الأرض، النقود، المنقولات...)، وذلك انطلاقا من قوانين مفروضة بشكل متساو على الجميع، وأي شخص يحاول انتهاك هذه القوانين، يعاقب بتجريده من بعض أو كل تلك الخيرات التي كان من المفروض أن يتمتع بها في ظل الحكم المدني،  « يبدو لي ... أن اختصاص الحاكم يقتصر فقط على الخيرات المدنية. وأن حقوق السلطة المدنية تنحصر في المحافظة على تلك الخيرات».

موقف فريدريك هيجل

على عكس الطرح التعاقدي الذي يختزل غاية الدولة في كونها مجرد وسيلة لإرضاء حاجات الأفراد ورعاية تطلعاتهم نحو الحرية والعدالة، وهذه الأمور أهداف خاصة بالمجتمع المدني، يرى «هيجل» أن الدولة هي غاية في ذاتها، لأنها تجسد الروح المطلق، والإرادة العامة العقلية، الحرة والكلية. إنها هي التي تحرر الفرد من الانزواء حول ذاته وحول مصلحته الفردية، إنها هي التي تضمن الارتقاء من الفردي نحو العام والكوني" إنها حقيقة روح العالم. « إن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية».

موقف ماكس فيبر

السياسة هي مجال تدبير الشأن العام وتسييره، والدولة ذاتها، ليست إلا تعبيرا عن علاقات الهيمنة القائمة في المجتمع، وهي الهيمنة التي تقوم على مبد المشروعية انطلاقا من سلطة عقلانية قائمة على الاعتقاد بقواعد ومعايير موضوعية لصلاحية وكفاءة نظام مشروع وعلى تفويض لمقاليد السلطة. وسلطة تقليدية ترتبط بالاعتقاد بقدسية التقاليد وبشرعية مكانة السلطة ومن يمثلها، ثم سلطة كاريزماتية لدنية) متأسسة على الولاء المطلق الخاصة ما كالبطولة أو شخص يعتبر قدوة أو نظام زعيم ما. « هناك ثلاثة أسس للمشروعية... نفوذ التقاليد المقدسة... والنفوذ المبني على السحر الشخصي والفائق لفرد ما ... والسلطة التي تفرض نفسها بفضل الشرعية ».

تركيب عام للمحور 

إن هذه الأطروحات المتعلقة بمشروعية الدولة وغاياتها، تتباين بين من يراها قائمة عل منظور اتفاقي تعاقدي، يحفظ الأمن والسلم ويكفل تحقق الحرية الإنسانية، وبين من يراها تجسد تلك الإرادة العقلانية العامة الكونية التي تعبر عن المضمون الحق للحرية المطابقة للعقل، تجسد بجلاء أهمية الدولة ودورها الرائد في التحقيق الفعلي لإنسانية الإنسان، بل وتوفير شروط تحقيق كماله.


------- المحور الثاني : طبيعة السلطة السياسية -------

تأطير إشكالي للمحور 

إذا كان امتلاك الدولة للسلطة واحتكارها للعنف ولجوءها إلى القمع، كما يتبين من طرح اسبينوزا » ما هو إلا وسيلة لتحقيق وضمان الحريات. وإذا كان تحقيق الدولة لغاياتها، يقتضي العمل السلطوي لمؤسساتها. فما طبيعة سلطتها السياسية؟ وما الذي يمنع من أن تتحول الدولة بعد احتكارها أدوات وأجهزة ممارسة السلطة أو توحدها في يد شخص أو مؤسسة إلى الاستبداد، لتصير دولة قمعية استبدادية كما حدث في مجموعة من التجارب التاريخية؟ ألا ينبغي جعل سلط الدولة السياسية موضوع تفكير أو نقد لكي تمنع الاستبداد وتضمن الحريات؟ وهل السلطة تتمركز في الأجهزة السياسية أم أنها تخترق كل الجسد الاجتماعي، ثم هل هذه السلطة مجال للتوافق والتعاقد أم أنها مجال للصراع والتنافس الاجتماعي؟

موقف نيكولا ماكيافيلي

يقدم «ماكيافيلي» معالم سياسة تتميز بطابعها البراغماتي والواقعي الذي يجعل من القوة وسيلة للتحكم في الناس والسيطرة عليهم، ومن المكر والخداع تقنية لممارسة السياسة ومواجهة الوقائع والأحداث. فالناس ليسوا أخيارا أو فضلاء بل مخادعون وأشرار، وبالتالي فقد كان لزاما أن يُتحكم فيهم بالقوة والخديعة، حتى ولو كان ذلك تجاوزا للأخلاق. إن الأمير مطالب بأن يكون أسدا وثعلبا في نفس الوقت. « على الأمير أن يكون ثعلبا لمعرفة شبكة الفخاخ، ويكون أيضا اسدا ليخيف الذئاب، فذلك الذي يريد أن يكون أسدا فقط لا يفهم شيئا»

موقف عبد الرحمن بن خلدون: 

السياسة اعتدال، هكذا يصرح ابن خلدون» حينما يؤكد بأن الممارسة السياسية ليست تسلطا أو استبدادا من طرف الحاكم تجاه محكوميه، بل هي رفق وتوسط واعتدال، بموجبه تنبني العلاقة بين السلطان والرعية على الصلح والعدالة اللذين يخدمان مصلحة الطرفين، فمصلحة الرعايا في الحاكم في استقطابه إليهم وفي لينه وحكمته، لا في تطرفه وبطشه الذي يفسد بصائر الناس وأحلامهم، فتمحي محبتهم للسلطان، وتصبح علاقتهم به مبنية على الخداع والمكر والكذب عوض الصدق واللطافة والمحبة . « إن الملك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات، منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة ... وإذا كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به، وأشربوا محبته ».

موقف جون لوك

لا يمكن للمجتمع السياسي أن يصبح سلطة، إلا إذا كانت هذه السلطة صادرة عن إرادة الأفراد، وذلك من خلال تأسيسهم لهيأة أو حكومة شرعية متفق عليها، تعبر عن رغبة الأكثرية وهذه الحكومة هي التي لها سلطة إصدار القوانين والأحكام، التي من المفروض أن يتقيد بها كل فرد بحكم الاتفاق والتعاقد الاجتماعي، وعلى اعتبار أن قرار الأكثرية يعتبر بمثابة قرار المجموع، فيكون ملزما للأقلية «...ما ينشئ المجتمع السياسي ويكونه إن هو إلا  اتفاق فئة من الناس الأحرار الذين يؤلفون أكثرية على الاتحاد وتأليف مثل هذا المجتمع ».

موقف مونتيسكيو: 

يميز في السلطة بين سلطة تشريعية، سلطة تنفيذية وسلطة إصدار الأحكام، ويستبعد الأطروحة التي تدعو إلى توحيد السلط واحتكارها من طرف شخص واحد أو هيئة واحدة كما دافع عن ذلك هويس، و اسبينوزا .. ويرى بأنه لضمان الحرية داخل الدولة، وعدم استغلال أجهزتها لاحتكار السلطة وممارسة الاستبداد، ينبغي العمل على الفصل بين السلط، بحيث تحد كل سلطة من السلطة الأخرى وتمنع احتمال تحويل النظام السياسي إلى نظام استبدادي، وحتى لا تصبح أجهزة الدولة أداة في يد حاكم أو جماعة دينية، عرفية اقتصادية...) لقمع المواطنين وليس حماية حرياتهم وحياتهم وممتلكاتهم، فالتجارب تؤكد بالملموس أن كل إنسان يتولى السلطة محمول على إساءة استعمالها، إذا لم يجد حدا يقف عنده، « لن تكون هناك أية حرية إطلاقا، إذا لم تكن السلطة المتعلقة بإصدار الأحكام منفصلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ».

موقف لوي ألتوسير

يرى أن ممارسة السلطة السياسية نابعة من كون الدولة عبارة عن مجموعتين من الأجهزة؛ تضم إلى جانب الأجهزة القمعية (حكومة، إدارة، جيش شرطة، حاكم، سجن...) مجموعة أجهزة أخرى هي الأجهزة الإيديولوجية (جهاز ديني، جهاز عائلي، مدرسي، قانوني، سياسي، نقابي وإعلامي...). والفرق بين المجموعتين هو أن الجهاز القمعي للدولة واحد وموحد وينتمي للمجال العمومي بينما الجهاز الإيديولوجي متعدد وينتسب إلى المجال الخاص.« في جانب الجهاز القمعي للدولة. هناك الأجهزة الإيديولوجية».

موقف ميشيل فوكو

ينتقد «فوكو » المواقف التقليدية التي تحصر السلطة في مجموع المؤسسات والأجهزة التي فوضت للبعض القيام بمهمة إخضاع المواطنين داخل دولة معينة (رجال السلطة). ويرى بخلاف ذلك أنه لا يمكن النظر إلى هذه السلطة كجسم منفصل، بل هي متواجدة في كل الجسم الاجتماعي، تنتج عن علاقات القوة والصراع بين مكوناته، حول اللغة والسلطة، الحقيقة والسلطة، الأسرة والسلطة، وتتجسد بشكل واضح في الدولة. بهذا لا يمكن الحديث عن السلطة بصيغة المفرد، فهناك تصور للسلطة يتسم بالتجدد . إنها وضعية إستراتيجية معقدة في مجتمع معين. «السلطة تعني علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة للمجال الذي تعمل فيه.. .انها حاضرة في كل مكان».

موقف ألان توران

ينتقد طبيعة السلطة السياسية، اعتمادا على مفاهيم الديمقراطية والحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية . ويعتبر بأن الديمقراطية في صراعها ضد السلطة المطلقة إنما كانت تصارع الاستبداد العسكري والحزب الكلياني والفردانية المطلقة، وذلك بهدف خلق نظام سياسي يسمح للقوى الفاعلة الاجتماعية بالتكوين والممارسة الحرة، انطلاقا من ثلاثة مبادئ أساسية هي: الاعتراف بالحقوق الأساسية التي ينبغي احترامها ، وصفة التمثيل الاجتماعي للقادة وسياساتهم ثم الوعي بالمواطنة «الديمقراطية ترتكز اليوم على القادة بشكل حر، وعلى الحد من السلطة السياسية بواسطة مبدإ غير سياسي».

تركيب عام للمحور 

إن استمرارية الدولة في الوجود وغاياتها من هذا الوجود، يفرضان على ممارستها السياسية أن تكون متحركة بين القوة والوهن، بين المعرفة والجهل، موصوفة بالتبصر والاعتدال لتحقيق منافع الناس بما فيهم الحاكم والسبيل الخير لبلوغ ذلك هو أن تكون السلطة محايثة للمجال الذي تعمل فيه، بل ومبنية على الديمقرامية التي تفصل بين السلط وتكفل حرية الأفراد داخل الدولة.


------- المحور الثالث : الدولة بين الحق والعنف -------

تأطير إشكالي للمحور 

يتبين أن الحاجة إلى تأسيس الدولة والتدبير السياسي للسلطة فرضته ضرورة إيجاد الحلول للمشاكل التي تطرحها الطبيعة أمام الإنسان. هذا الأخير مطالب ببناء الدولة للحفاظ على إنسانيته، لأنه بفعل الثقافة (قوانين ودساتير ومؤسسات..)، يستطيع أن يعوض ما لم تمنحه الطبيعة إياه؛ فالسلوك والعلاقات الإنسانية هي نتاج اختبارات سياسية واعية. لكن كيف تقوم الدولة؟ وكيف تمارس وظائفها؟ هل بقيامها ينتفي العنف ويتحقق الحق والقانون أم نكون بصدد ممارسة معقلنة للعنف وطريقة منظمة للقوة؟

موقف نيكولا ماكيافيلي

يرى ماكيافيلي، أن ممارسة الدولة للسلطة، ينبغي أن تكون خاضعة لمبدإ الواقع. فالسياسة هي مجال للصراع يوجب على الأمير أن يعتمد في ممارسة الحكم على المزاوجة بين القانون والقوة حسب الضرورة، وأن العمل بالقوانين لا ينبغي أن يكون عائقا أمام اللجوء إلى القوة والعنف للحفاظ على حكمه؛ فعليه أن يتظاهر بخصال الرحمة والنزاهة والورع والتقوى وأن لا يتوانى في التخلي عنها، بل واللجوء، إلى العنف والقوة إذا ما تم تهديد حكمه، لتصبح سلطة الحاكم فوق سلطة القانون وتصبح المؤسسات والقوانين مجرد وسيلة. «هناك طريقتان للقتال... الطريقة الأولى تعتمد القوانين، والثانية تعتمد القوة،.. وكما كانت الأولى غير كافية في الغالب، فيجب استخدام الثانية ».

موقف ماكس فيبر

يعتبر أن ما يميز الدولة الحديثة هو تلك العلاقة الوطيدة التي تقيمها مع العنف، فهي وحدها تحتكر حق ممارسة العنف المشروع الذي لا يتنافى مع كونها تجمعا سياسيا وعقلانيا وقانونيا، والذي به يتم ضمان الأمن والاستقرار الجماعيين وباقي الحقوق الأخرى، إن الترجمة الفعلية لمفهوم الحق على مستوى الدولة تتجلى في إضفاء الشرعية على ممارسة أي وسيلة عنف داخل ترابها، « يجب أن نتصور الدولة المعاصرة كتجمع بشري، يطالب في حدود مجال ترابي معين بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع وذلك لفائدته».

موقف جاكلين روس:

إن مفهوم الدولة لا ينبني على العنف المشروع فقط، بل يتأسس كذلك على فكرة الحق؛ بحيث يكون من اللازم وضع الحدود الكافية التي تخلص حياة الفرد والجماعة من كل تعسف في ممارسة السلطة أو استغلالها؛ فدولة الحق هي التي تمارس السلطة بشكل معقلن، يسمح باحترام القانون وحرية الأفراد، وبالتالي نكون إزاء دولة حق وقانون قائمة على احترام حقوق الإنسان ضد كل أنواع الاضطهاد والاستبداد والعنف، إنها دولة تتخذ ثلاثة مظاهر هي : احترام القانون، الخضوع للحق، وفصل السلط. «سلطة دولة الحق نعمل بواسطة القانون والحق وتقوم على فصل السلط.».

موقف عبد الله العروي

يعتبر العروي، أن دولة الحق تجمع بين ما هو تنظيمي إداري (جهاز) وبين ما هو ذهني و سلوكي أخلاقي (أدلوجة) ، أي أنها تحصل على الصدقية والإقناع بفضل جمعها بين السياسة والأخلاق، بين القوة والإقناع، لكن الدولة القائمة في المجتمعات العربية، لا تعبر عن نشأة مجتمع سياسي، لافتقادها لعنصرين رئيسيين هما: الشرعية والإجماع، وهو ما قد يجعلها تأخذ طابعا خاصا يجعل عنفها لا مشروعا وغير مقبول في المجتمع، ويعتبر تسلطا واستبدادا، يفصل الدولة عن المجتمع وعن أخلاقه وعن الحق. « دولة الحق هي اجتماع وأخلاق، قوة وإقناع».

موقف فريدريك إنجلز

تولدت الدولة حسب «إنجلز» بعد تشكل مجتمع الطبقات، ومن قلب الصراع الاجتماعي بين الطبقة المستغِلة والطبقات المستغَلة، وذلك على خلاف ما ذهب اليه «هوبس» و«اسبينوزا »، باعتباره صراعا بين الأفراد، لهذا فالقوانين هي أداة لممارسة العنف من طرف الطبقة المسيطرة اقتصاديا على باقي الطبقات، وتحتكر السلطة السياسية وإصدار القوانين لتضفي المشروعية على العنف لخدمة مصالحها الطبقية. إن العنف هو حقيقة الدولة وما القانون إلا تعبير عن العنف الاقتصادي (الاستغلال). ولهذا ليست غاية الدولة / السياسة القضاء على العنف، بل تعطى المشروعية للعنف (القانون)، ولن يختفي العنف إلا بالقضاء على الدولة. «إن الدولة هي وليدة المجتمع، ولكنها تغدو تدريجيا غريبة عنه».

موقف بول ريكور

يقدم تصورا فلسفيا معاصرا يفكر في علاقة الدولة كتركيب عقلاني وتاريخي يرتبط بالحق، القانون، الحرية، السلطة والعنف. وهو تصور يميل إلى ربط الدولة بالسلطة عوض العنف المشروع، انطلاقا من أن تعريف الدولة يكمن في المواجهة بين الشكل والقوة، وأن فكرة السلطة لا تختزل في فكرة العنف. «أن نمنح للدولة امتياز العنف المشروع لا يعني تعريفها انطلاقا من العنف، وانما انطلاقا من السلطة».

تركيب عام للمحور 

الدولة هي مزيج بين الحق والعنف، تتأرجح بينهما، تمارس العنف المشروع باسم الحق، فيصير بذلك أداة لإحقاق الحق، ولو كان عنوانا للتسلط أو انتقادا للشرعية والإجماع، وبالتالي فما يجعل المواطن مرتبطا بالدولة وشرعيتها هو كونها دولة قائمة على الحق والقانون والمؤسسات، دولة تجمع بين السياسة والأخلاق تقوم على فصل السلط وتحافظ على حرية الفرد وكرامته ضد كل قهر أو عنف أو استبداد.


خلاصة عامة لمفهوم الدولة

 إن الدولة مؤسسة سياسية أساسية للفرد والمجتمع، فغاية وجودها هو الحفاظ على إنسانية إنسان وتهذيب قدراته و إمكاناته الطبيعية، وتنظيم حياته الاجتماعية. فضلا عن الحفاظ على وحدة المجتمع وتوازنه بما يخدم مصالحه العامة. والدولة القادرة على الاستمرارية في الدولة الشرعية التي تحاول إقرار الحق والمبنية على تعاقد اجتماعي، ينظم الممارسة، ولو بشكل يوازن بين الدهاء والمكر أو التوسط والاعتدال، أو القوة والإقناع. وذلك بعض دولة الاستبداد التي تبقي دولة تسلطية تفتقد إلى الشرعية والإجماع، مما يجعلها هشة ومعزولة عن الناس.




تعليقات حول الموضوع

مواقعنا الإجتماعية

تابعنا على الفيسبوك

اكثر المواضيع تصفحا هذا الاسبوع

اكثر المواضيع تصفحا هذا الشهر

جميع الحقوق محفوظة لمدونة صوفي لايف © 2018