أحدث المقالات والدروس

ملخص وجدول مفهوم الغير (محاور، إشكالات، فلاسفة، ومواقف)

author image
ملخص يتضمن تأطيرا إشكاليا ومواقف وتركيبا، مع جدول خاص بمفهوم الغير ضمن مجزوءة الوضع البشري يضم المحاور الثلاثة للمفهوم، وأطروحات ومواقف الفلاسفة المتداولة في الكتب الثلاثة المقررة للثانية باكالوريا.
وجديد هذا المنتوج هو عرضه لأغلبية المواقف الفلسفية المتضمنة في الكتب الدراسية الثلاثة المقررة في المنهاج المغربي، وهي (في رحاب الفلسفة، مباهج الفلسفة، منار الفلسفة) 
مجزوءة الوضع البشري:  مفهوم الغير
مـدخـــــل:
نجد في معجــم "لالانــد" : "الآخــــر هو أحد المفاهيــم الأساسيـــة والأولى للفــــكر، ومـــن ثم يستحيل تعريفه. يتقابل مع الهو هو( le même )، ويعبر عنـــــــه بالمتنوع ( le divers ) والمختــــــــــلف (le différent) والمتميز (le distinct)"... ومعنى ذلك أن "الآخر" هو مفهوم بسيط أولي ، يتأسس عليه التفكير ولا يمكن تعريفه إلا من خلال مرادفاته أو مقابلاته ... أما مفهوم "الغير" فيتخذ - في دلالته الفلسفية - معنيين متقابلين، بحيث يتحدد - عند "لالاند" - في "الأنا الآخر" (Alterego ) مما يجعله متطابقا أو متماهيا مع الأنا ، ويأخذ عند "سارتر" معنى "الأنا الذي ليس أنا" ، وهو ما يفترض الإختلاف والتعارض مع الأنا.. فمفهوم الغير يتأسس على المفارقة التي تجعل منه ،في نفس الوقت، مطابقا للأنا (أنا آخر مثلي ) ومخالفا لها (أنا ليس أنا)، الشيء الذي سينعكس في القضايا والأطروحات التي ارتبطت بهذا المفهوم في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر بالخصوص، وأهم هذه الإشكالات : 1- وجـــــود الغيـــــر : هل من ضرورة لوجود الغير بالنسبة للأنا ؟ وهل يتمكن الأنا من الوعي بذاته في استغناء تام عن الغير، أم أن الغير يعد شرطا لازما لتحقيق هذا الوعي ؟ 2- معرفـــة الغيــــــر : هل يمكن تحقيق معرفة حول الغير في ظل المفارقة التي يبدو معها شبيها بالأنا ومخالفا لها ؟ 3- العلاقـة مع الغيــر : كيف تتحقق العلاقة الأخلاقية مع الغير؟ هل بوصفه نظيرا للأنا يستوجب المودة والتعاون ؟ أم باعتباره غريبا يجب نبذه ؟ وهل الإقصاء هو الموقف الوحيد الممكن تجاه الغير الغريب ؟
المحور الأول: وجود الغير ± هل الغير أنا آخر ؟
تأطير إشكالي
إذا كان اعتبار الوجود في ذاته هو ما يتعلق بالأشياء المادية الفاقدة للعقل، فان الوجود لذاته هو ما يتعلق بالإنسان من حيث هو كائن يمتلك الحرية والإرادة والمسؤولية والوعي، وإذا كان وجود الغير يدخل ضمن الوجود لذاته، فكيف يتحدد وجوده هذا ؟ وكيف يمكن للأنا إدراكه باعتبارها ذاتا واعية ؟ ثم هل يمكن للأنا والغير أن يوجدا في عزلة تامة أم أن وجود كل منهما ضروري للاخر؟
موقف مارتن هايدغر: تهديد الغير
1-       تــأطـيـر الــنـص:
النص عبارة عن مقاربة فلسفية مقتبس من كتاب" الوجود و الزمن"، وفيه يروم الفيلسوف الى ابراز معنى الوجود في العالم ومع الآخرين والتفكير في سؤال معنى الوجود، وذلك ببحثه في الوجود الإنساني الراهن والعيني  (Dasein)
2-       إشكال النص:
هل وجود الغير يمثل تهديدا بالنسبة للانا ؟
3-      مفاهيم النص:
•الموجود- هنا: الأنا
•الوجود المشترك: المجتمع
•الوجود مع الغير: الحياة الاجتماعية التي ينخرط فيها الأنا مع الغير.
•الوجود مع الآخرين: هو ذلك النسيج الاجتماعي للموجود البشري بوصفه موجود يحيا دائما مع الآخرين Mitsein " والآخرون " أو " الغير " إنما هم أولئك الذين " أوجد " معهم، ويوجدون معي سواء بسواء.
•الكينونة: ما يمثل جوهر الكيان الشخصي لكل فرد والمقصود الخصوصية
On: ضمير مبني للمجهول يستعمل عادة في الأمثال و الحكم التي لا يعرف قائلوها والتي تعبر عن مجموع الآراء والمعتقدات التي يشترك فيها الجميع.
4-      أطروحة النص:
إن حضور الغير في علاقته بالأنا هو إفراغ للذات من خصوصيتها وكينوناتها الفردية التي تميزها عن أخرى وتذيب كل الاختلافات  والتمايزات التي تفقد هويته التي تميزه في الحياة اليومية المشتركة مع الناس.
5-       أفكار النص:
- الوجود مع الغير يجرد الأنا من خصوصياته ويقوي من سلطة الغير ويجعل الأنا مجرد جزء من الآخرين لا هوية له.
- التواجد مع الغير في مجتمع يجعل الأنا يشبه الآخرين فيذوب وجوده  الفردي في الوجود الاجتماعي ويصبح الموجود الحقيقي هو الآخرون وليس الأنا
6-       حجاج النص:
-أسلوب التوكيد:"إن التباعد باعتباره خاصية.."
-أسلوب التعليل:"...لان الآخرين أفرغوه من كينونته الخاصة"
-أسلوب الاستدراك:"بل على العكس من ذلك"
-أسلوب التمثيل:"قراءة الصحف مثلا"
-أسلوب التقابل: الموجود هنا#الغير/ وجودي الخاص#وجود الغير
7-       خلاصة تركيبية :
إن الوجود مع الآخرين لا يشكل ضرورة أنطولوجية لابراز الذات، ذلك أن وجود الغير في علاقته بالأنا ليس إلا إفراغا للذات وذوبان الفرد في حياة الجماعة. بحيث يفقد الشخص هويته التي تميزه في الحياة اليومية المشتركة مع الناس .
8-      قــيـمـة الــنــص:
إن قيمة هذا النص تتجلى في رهان العلاقة الوجودية مع الغير وتصوره للانسان الحديث في علاقته مع الجمهور و انغماسه معهم، حيث أن هذا الأخير أصبح يعيش في حالة جماعية زائفة باتخاده من " الوجود مع الآخرين " ذريعة للتنازل عن وجوده الخاص ليصبح وجوده مجرد انغماس في عالم الجمهور. و هكذا فقد انسان العصر الحديث انسانيته و حريته، و صار مجرد موضوع ينطق بلسان الآخرين. لكن هذا الوجود الذي هو في نظر هيدجر انما هو ذلك الوجود الحقيقي الذي تشعر معه الذات بأنها قيمة بنفسها، مسؤولة عن ذاتها، وأنه قد خلى بينها و بين حريتها و أنه لا بد لها من أن تأخد على عاتقها تبعة وجودها.   
9-      -حدود النص:
موقف رونيه ديكارت
إن إمكانية إدراك وجود الغير مسألة قائمة حتى في حالة الانغلاقية والعزلة، ولكن بعد أن تعي الأنا المفكرة ذاتها، فوعيها هذا هو أساس كل معرفة، ومن ثم لا يمكن معرفة ذاك الشبيه (الغير) إلا عبر معرفة الأنا، وبواسطة استدلال عقلي (المماثلة) لا يمكن أن يبلغ درجة اليقين. وهكذا فوجود الغير وجود جائز ومحتمل فقط، أو على الأقل يتوقف على استدلالات الأنا نفسه. «قد يكون ما أراه في الواقع من النافذة سوى قبعات ومعاطف لآلات صناعية تحركها  لوالب».
موقف موريس ميرلوبونتي:
ينتقد النظرة التشييئية للغير التي ترى فيه مجرد موضوع قابل للتحليل والتجريب، ويؤكد بالمقابل على ضرورة التعامل مع الغير باعتباره وجودا في ذاته؛ أي كعنصر من عالم الأشياء، ووجودا لذاته؛ أي كذات واعية لها وجودها المستقل. « هناك نوعان من الوجود ولا شيء غيرهما: الوجود في ذاته ، ويخص الأشياء المنتشرة في المكان. والوجود لذاته ويخص الوعي».
موقف جون بول سارتر
يرى أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة صراع على مستوى الوجود،على اعتبار أن كلا من الأنا والغير يريد انتزاع الاعتراف من الآخر، وذلك باستلابه وشل إمكاناته بفعل النظرة. إلا أن هذا الصراع يبقى ضروريا لتعي الأنا ذاتها بوصفها ذاتا حرة ومتعالية، وهكذا فوجود الغير. مع «سارتر» يشكل وسيطا ضروريا بين الأنا ونفسها، عبره تحقق الأنا وعيها بذاتها . « الغير هو الوسيط الذي لا غنى عنه بيني آنا وبين نفسي : فانا خجول من نفسي من حيث اتبدى للغير».
موقف جيل دولوز وفليكس غاتاري
لا يظهر الغير كذات او كموضوع، وإنما يتبدى، بخلاف ذلك،بوصفه عالما ممكنا منفتحا أمام الأنا لاكتشافه وتجريبه، ورغم أنه عالم غير واقعي، لكنه يغدو قائم الوجود، ويظهر في محيا من يعبر عنه ولا يوجد إلا في تعبيره، أي تعبير الوجه أو ما يعادله، فضلا عن أنه يفترض علامة لسانية عبر لغة تمنحه صورة متحققة. « الغير بهذا المعنى، هو مفهوم ذو ثلاثة مكونات متلازمة ؛ عالم ممكن، وجه قائم الوجود، كلام أو لغة واقعية».
موقف إيدموند هوسرل
إن إدراك الذات للاخرين يتم عبر إدراكهم كموضوعات غير الأشياء الطبيعية، وكذوات تتواجد في نفس العالم الذي توجد فيه الأنا، وذلك عبر سلسلة من التجارب المتوفرة لدى الذات كتجربة العالم، تجربة الآخرين، والتي يمكن أن تتوفر كذلك لدى الآخرين. «هي ذوات تدرك العالم . الذي أدركه أنا . والذي من خلاله ستتوفر على تجربتي آنا، مثلما اتوفر آنا على تجربة العالم ومن خلال تجربة الآخرين».
تركيب محور وجود الغير
إن حضور الغير في تجربة الأنا، يشكل ضرورة وجودية ملحة باعتبار أن الوعي الحقيقي بالذات ليتاتي بالتصادم مع الغير ونزع اعترافه، مادام الشخص ملزما بالحيش داخل جماعة ومع الغيار والأشباه، ورغم أن انخلاقية الانا وعزلتها هو ما يثير مشكلة وجود الغير.
المحور الثاني: معرفة الغير     ± هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟
تأطير إشكالي
لربما صار وجود الغير مسالة أنطولوجية هامة، استأثرت باهتمام الفلسفات الحديثة والمعاصرة، غير أن معرفة هذا الغير أضحت إشكالا فلسفيا يطرح أكثر من سؤال : فكيف يمكن معرفة الغير ؟ وعلى اي اساس تقوم هذه المعرفة ؟ ثم، ألا يمكن أن تجعل منه موضوعا مجردا من الحرية والإرادة الإنسانية ؟
1-      تــأطـيـر الــنـص:
 نص فلسفي معاصر مقتبس من كتاب " تأملات ديكارتية " يروم فيه الفيلسوف إلى إعادة تأسيس الكوجيتو الديكارتي و إخراجه من عزلته و فتحه على العالم وفق مفاهيم الفينومبنولوجيا كمفهوم القصدية الذي هو وعي بشيء ما  كأن تعي بأنك ذات بعينها.
2-        إشكال النص:
كيف يمكن القول أن وجود الغير يتوفر على تجربته و تجربة العالم و تجربة الآخرين ؟
3-        مفاهيم النص:
- أنا Moi : حقيقة الانسان الثابثة و الحاملة لكل الحالات النفسية و الفكرية، كما يدل اللفظ على الجانب الواعي في شخصية الانسان.
- إدراك Perception : يدل اللفظ على معنيين :
 - إدراك حسي : المعرفة المباشرة للأشياء بواسطة الحواس
- الوظيفة التي تسمح للفكر بتصور الأشياء و تمثلها.
- القصدية Intentionnalité : هو الوعي بشيء ما، أي أن تعي بأنك ذات بعينها. فمن شأن كل وعي ان يتجه نحو الموضوع، ا وان يستهدف شيئا. فالدراك الحسي هو ادراك لموضوع مدرك، و الرغبة هي رغبة في شيء يكون موضوعا لها، و الحكم هو حكم علة حالة قائمة من حالة الأشياء.
4-       أطروحة النص:
وجود الغير في علاقته بالأنا وجود مزدوج، فهو يوجد في العالم كموضوع و كذات تدرك العالم من خلال تجربته و تجربة الآخرين .
5-       أفكار النص:
- إدراك الآخر هو إدراك الذات في تجربتها مع العالم و الآخرين و اتباط الآخرين بأجسامهم - اختلاف بين تجربتي العالم و الآخرين لاستقلال كل واحد منهما بظواهر الخاصة التي تميزه - خصوصية فعل الوجود و أصالته و ارتباطه بالواقع الموضوعي للذات.
6-       حجاج النص:
- العرض:
- " أدرك الآخرين في سلسلة تجارب معينة..."
- التفسير: " فارتباط الآخرين بأجسامهم، باعتبارهم موضوعات..."
- الإثبات : " إن عالم التجربة موجود في ذاته خلافا لكل الذوات..."
- التساؤل: " فكيف السبيل لفهم هذا ؟ ".
7-       خلاصة تركيبية :
إن عملية الادراك التي تتجه نحو الموضوع لإدراك الآخر هي تجربة تختلف باختلاف تجارب الفرد و استقلال كل واحد منهما بظواهره الخاصة التي تميزه. و هذه الاستقلالية تضفي خصوصية خاصة لفعل الوجود بما يكتنزه من أصالة و تفرد.
8-       قــيـمـة الــنــص:
 إن قيمة النص الهوسرلي " تأملات ديكارتية " في تطبيقه للمنهج الفينومولوجي على الوعي أو الشعور نفسه، فلم يلبث الفيلسوف أن اصطنع ضربا من الشك الديكارتي راميا من وراء ذلك العودة إلى الذاتية و تعقل الموضوع المفكر فيه، بمعنى أنني أفكر في موضوع متعقل، أي أنه ينصب على موضوع متعقل يكون مثله كمثل واقعة الفكر نفسها.
9-      -حدود النص:
موقف جون بول سارتر
يقدم مثال النظرة لتوضيح استحالة العلاقة المعرفية بين الأنا والغير؛ لأن هذه المعرفة تنتهي دائما إلى تحويل الغير إلى مجرد شيء من أشياء العالم الفاقدة اللوعي والحرية، كما أن رغبته في معرفتي تحولني إلى شيء. ومن ثم فإذا كان وجود الغير وسيطا ضروريا لوعى الانا بذاتها، فإن معرفته مسالة غير ممكنة، بل مستحيلة. «إنني اتملك نظرة الغير في صميم فعلي، بوصفها تجميدا لممكناتي الخاصة واستلابا لها».
موقف غاستون بيرجي
إن تجربة الأنا الذاتية هي تجربة معزولة في العالم، على اعتبار أن عالم الانا عالم مغلق وغير قابل للإدراك من طرف الغير، ومن ثم فمعرفة الغير للانا أو معرفة الأنا للغير غير ممكنة، فبينهما جدار سميك لا يمكن تخطيه او تجاوزه رغم ما يوجد بينهما من علاقات إنسانية، «هكذا هو الإنسان، سجين في آلامه، ومنعزل في لذاته ووحيد في موته.. محكوم عليه بان لا يشبع ابدا رغبته في التواصل، والتي لن يتخلى عنها أبدا»
موقف موريس  ميرلوبونتي
إن معرفة الغير ممكنة عبر التواصل الإنساني معه، والانفتاح عليه ومبادلته الاعتراف. فنظرة الغير لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحوله نظرتي إلى موضوع، إلا عند الانغلاق على الذات ورفض التواصل. إن وجود الأنا يكاد يكون لاغيا إن لم يكن يقصد الغير، ومعرفة الأنا للغير إنما هي معرفة قادرة على النفاذ إلى أعماق الغير والتواصل معه. «من خلال وضعياتنا الخاصة يتمكن وعينا من بناء وضعية مشتركة يتم التواصل من خلالها».
موقف ماكس شيلر
يرى أن معرفة الغير ممكنة، وذلك من خلال إدراك كلي، يجمع بين إدراك المظاهر الجسدية وإدراك الإحساسات النفسية الداخلية؛ بمعنى أن التعبيرات الجسدية كَتَسَمُّرٍ الوجه والابتسامة والتصاق اليدين...لا تدل على الإحساسات الداخلية مثل الهم والحزن والفرح والحب، بل إن تلك التمظهرات الجسدية هي ذاتها الإحساسات الداخلية، وهذا إنما يدل على أنه لا ينبغي تقسيم الغير إلى ظاهر و باطن؛ اي تجزيء ظاهرة التعبير لديه، وإنما ينبغي إدراكها كوحدة كلية غير قابلة للفصل أو التجزيء، وبذلك فمعرفة الغير لا تكون كذلك إلا إذا تخطت حاجز ثنائية الجسد روح. ثم إن هذه المعرفة ذاتها تقوم على الية التعاطف الوجداني والمماثلة التي تجعل الإنسان يرغب في التقرب من الغير والتعرف عليه من خلال عملية إسقاط واستشعار وجداني لإحساسات الغير على الذات. «ان ما ندركه منذ الوهلة الأولى، ليس جسد الغير، ولا نفسيته، بل ندرك الغير بوصفه كلا  لا يقبل القسمة ».
موقف نيكولا مالبرانش
ان موضوعات النفس البشرية، من إحساسات ومشاعر، لا نعرفها معرفة يقينية مباشرة، وإنما نكتفي بمعرفة تقريبية وافتراضية، مما يجعل أحكامنا المرتبطة بالغير معرضة للخطأ في أغلب الأحيان، ومن ثم فمعرفته تبقى معرفة غير ممكنة، لأننا نبني تلك المعرفة على معرفتنا لذواتنا، ونظن أن نفوس الآخرين ومشاعرهم هي التي لدينا. وهذا الاستدلال بالمماثلة غير صحيح. «المعرفة التي لدينا عن الناس الاخرين تكون كثيرة التعرض للخطا إذا نحن اقتصرنا في حكمنا فقط على عواطفنا».
تركيب محور معرفة الغير
إن معرفة الغير تظل إشكالا فلسفيا مفتوحا يتأرجح بين تصورات متباينة بشان إمكانية هذه المعرفة أو عدم إمكانيتها؛ فمعرفة الغير عبر التواصل الإنساني معه (ميرلوبونتي)، وتجاوز ذلك إلى التحالف الوجداني معه إلى حد المماثلة (شيلر) أوالتوحد به حدسيا في إطار عالم البينذاتية (هوسرل) تكون ممكنة، أما إذا تم التركيز قطعا على الاستدلال بالمماثلة قصد تعميم المعرفة بالذات على معرفة الغير (مالبرانش) أو تحويله إلى موضوع شيئي ( سارترا) أو خلق عزلة وانغلاقية ذاتية لا يقدر على إدراكها (بيرجي)، فان تلك المعرفة تصبح غير ممكنة.
المحور الثالث: العلاقة مع الغير     ± هل العلاقة مع الغير هي علاقة تكامل أم تنافر؟
تأطير إشكالي
إن الكشف عن طبيعة العلاقة التي يمكن أن تربط الأنا بالغير، يقتضي طرح التساؤلات الإشكالية التالية : ما نوع العلاقة التي يجب أن تقوم بين الذات والغير؟ وعلى اي اساس تقوم هذه العلاقة؟ هل على النبذ والهيمنة والمنفعة أم على أساس اخلاقي خالص يتضمن مبادئ الواجب والتسامح والتواصل والاحترام، والغيرية باعتبارها نكرانا للذات وتضحية من أجل الآخر؟
1-      تأطير النص:
هذا النص مقتطف من كتاب أرسطو " الأخلاق إلى نيقو ماخوس". وهو واحد من أفضل الكتب التي ألفت في موضوع الأخلاق على الإطلاق، فهو غني بتحليلاته للمعاني الأخلاقية والنفسية وبحججه البارعة. ويحيل هذا النص مباشرة على مجزوءة الوضع البشري، ويطرح مشكل العلاقة بين الأنا والغير: من خلال مفاهيم صريحة، وهي: الصداقة، الفضيلة، الحب، العدل. وأخرى ضمنية، وهي: العداوة، الرذيلة، الكراهية، الظلم .
2-      الإشكال:
ما هو الأساس الذي تقوم عليه علاقة الإنسان بالآخرين: هل على الصداقة أم على العداوة ؟
3-      مفاهيم النص:
­ الصداقة: علاقة بين شخصين أو أكثر، تقوم على الحب والاحترام: ولذلك فهي ضرب من الفضيلة أو على الأقل تكون محفوفة بها دائما.
­ الفضيلة: خلاف الرذيلة، وتعني الاستعداد الدائم لسلوك طريق الخير أو مطابقة الأفعال الإرادية للقانون الأخلاقي.
­ الحب: نقيض البغض، وهو الميل إلى الشيء السار، والغرض منه إرضاء الحاجيات المادية أو الروحية.
­ العدل: في اللغة الاستقامة والميل إلى الحق، وهو الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط.
4-      أفكار النص:
 1) إن الصداقة ضرب من الفضيلة، أو على الأقل إنها دائما محفوفة بالفضيلة.
2) إن الأصدقاء هم الملاذ الوحيد الذي يمكننا الاعتصام به في حالة البؤس والشدائد المختلفة .
3) إن قيام الصداقة الحقة بين الناس يجعلهم في غنى عن العدالة والقوانين .
5-      أطروحة النص:
يعتبر أرسطو أن ماهية العلاقة التي تربط الشخص بالآخر هي الصداقة، ومتى أحب الناس بعضهم بعضا لم تعد هناك حاجة إلى العدل، لأن قيام " صداقة الفضيلة " بين الناس تجعلهم في غنى عن العدالة والقوانين .
6-      الحجاج:
يعتمد أرسطو تقنيات حجاجية مختلفة للدفاع عن أطروحته منها :
- التفنيذ: " إن لا أحد يقبل أن يعيش بلا أصدقاء "
- التوكيد: " إن الصداقة هي ضرب من الفضيلة "
- التفسير: " و هي فوق ذلك إحدى الحاجات الأشد ضرورة للحياة"
- المثال:" و هذا الإحساس يوجد لا بين الناس فقط، بل يوجد أيضا في الطيور..."
- التشبيه:" بل كثير من الناس يشتبه عليهم لقب الرجل الفاضل بلقب الرجل المحب "
7-      خلاصة التركيبية:
تقوم علاقة الأنا بالغير، في نظر أرسطو، على أساس الصداقة الحقة التي تجعل الناس يعيشون في حب ووئام. بحيث أن حبهم لبعضهم يجعلهم في غنى عن العدل، ما دامت الصداقة علاقة تكامل تؤدي إلى نبذ التنافر و الصراع.
8-      قيمة النص:
تتجلى قيمة هذا النص في القطع الذي أحدثه أرسطو مع فلسفة أستاذه أفلاطون، و الذي يرى أن الصداقة تقوم على الحب بمعناه المثالي وحده، في حين نظر أرسطو إلى الصداقة باعتبارها قيمة مدنية و أخلاقية، و أن هناك ثلاثة أنواع من الصداقة و هي : صداقة المنفعة، و صداقة المتعة، و صداقة الفضيلة. و هذه الأخيرة حسب أرسطو هي الصداقة الحقة.
9-      -حدود النص:
موقف إيمانويل كانط
تقوم العلاقة بين الأنا والغير على مبادئ أخلاقية، وعقلية وذاتية وكونية سامية؛ فالصداقة باعتبارها قيمة مثلى، تقوم على توازن بين عناصر الواجب الأخلاقي المحض، هي مثال العلاقة الإنسانية النبيلة التي تجمع بين مشاعر الحب والاحترام المتبادل بين الأنا والغير بعيدا عن كل منفعة مباشرة أو مصلحة متبادلة. «لا يجب أن تقوم الصداقة على منافع مباشرة ومتبادلة، بل يجب أن تقوم على أساس أخلاقي خالص».
موقف أوغست كونط
إن العلاقة مع الغير، ينبغي أن تتأسس على قاعدة الغيرية، باعتبارها نكرانا للذات وتضحية من أجل الغير، وتقيم قطيعة مع الأنانية، فهي الكفيلة بتثبيت مشاعر التعاطف والمحبة بين الناس، فتجد الإنسانية غاياتها الكبرى في نشر قيم العقل والعلم والتضامن والاستقرار في العالم. «وحدها دوافع التعاطف الإنسانية تصنع الانطلاقة الحقيقية الثابتة لحياة من أجل الغير».
موقف جوليا كريستيفا
تعتبر أن الغريب ليس هو ذلك الغريب الموجود خارج ذواتنا، والذي نعتبره عادة عدوا أو دخيلا يهدد وحدة الجماعة، بل إنه ذاك الذي نستبطنه في ذواتنا، ويسكن فيها بشكل غريب، فينشأ عن التعرف على ذواتنا واختلافاتنا، مما يؤدي إلى غرابتنا، وعليه فإن علاقتنا بالآخر، أيا كان، ينبغي أن تقوم على التعايش والتسامح بدل النبذ والإقصاء، «إن الغريب يسكننا على نحو غريب».
موقف ألكسندر كوجيف
يوضح العلاقة بين الأنا والآخر اعتمادا على فلسفة «هيغل» القائمة على جدلية العبد والسيد، والتي ترى بأن هذه العلاقة ليست قائمة على الصداقة، ولا على الشفقة، وإنما على مبدأ الهيمنة، فالإنسان إما سيد الغير أو عبده، وهو لا يخرج عن هذه العلاقة التراتبية القائمة على الصراع من أجل الاعتراف وفرض الهيمنة. «الوجود البشري لا يتكون إلا من خلال الصراع الذي يؤدي إلى العلاقة بين سيد وعبد »
موقف موريس ميرلوبونتي
إن فتح قنوات الحوار مع الغير، ومد جسور التواصل معه سواء كان من خلال النظرة، أو من خلال الكلمات، وعدم اعتباره قابلا للإقصاء والتشييء هو الذي يوطد العلاقة بين الأنا والاخر. «الامتناع عن التواصل هو نوع من التواصل».
موقف مارتن هايدغر
إن علاقة الأنا بالغير هي علاقة اشتراك بين الذوات، وهو اشتراك يدل على وضعية الإنسان في العالم من خلال تجربته الحية، ومن خلال علاقته بالكائنات البشرية الأخرى، فعالم الوجود هو عالم مشترك، والوجود في العالم هو وجود مع الغير. «الآخرون يلتقون انطلاقا من العالم الذي سيبقي وفقه الوجود ».
تركيب محور العلاقة مع الغير
إن العلاقة مع الغير يجب أن تكون قائمة على مبادئ الفضيلة والواجب الاخلاقي ونكران الذات والتضحية من أجل الاخر ( الغيرية)، كما ينبغي أن تتأسس أيضا على قيم التواصل والتفاهم والحوار بعيدا عن أية نظرة نفسية أو أنانية أو مبدا إقصاء أو هيمنة.
خلاصة عامة لمفهوم الغير
إن ارتباط مفهوم الغير بمفهوم الأنا أو الشخص، هو ما يثير المجال الإشكالي لمفهوم الغير على اعتبار أن علاقته بالأنا علاقة إشكالية لها مستوياتها وتجلياتها ومترتباتها. فالأنا ليست مستقلة أو معزولة، بل وجود الغير ضروري لوجودها، كما أن معرفة الذات تمر عبر معرفة الغير، وعليه فمن اللازم أن يدرك كل طرف الآخر باعتباره ذاتا واعية، مريدة وحرة، ذاتا شبيهة بالأنا ومختلفة عنها، قريبة منها وبعيدة عنها، صديقة لها وغريبة عنها في نفس الوقت... وكل ذلك ينبغي أن يكون في إطار من العلاقات الإنسانية القائمة على أسس أخلاقية وعقلية وكونية.


رابط تحميل الجدولPDF: