صوفي لايف

درس العقلانية العلمية / مفهوم النظرية والتجربة/ مجزوءة المعرفة

 




فيديو الدرس (حصري على قناة صوفي لايف)




ملخص الدرس


المحور الثاني : العقلانية العلمية


تأطير إشكالي للمحور :


إن تاريخ العقل العلمي البشري يكشف عن نمط كلاسيكي لهذا العقل، قائم على مبادئ ثابتة. ونمط عقلى آخر معاصر، جعل العقل يشتغل بكل فعالية ونشاط ويتطور بتطور عالم التجربة ذاته. فما خصائص هذه العقلانية العلمية؟ وهل هي عقلانية قائمة على معطيات تجريبية محضة كما تزعم النزعات الاختبارية والتجريبية أم يتعين اعتبارها نسقا عقليا رياضيا كما ترى المذاهب الاصطلاحية والعقلانية؟ أم يمكن القول بأنها تقوم على يقين مزدوج يمثله ذلك الحوار الجدلي بين العقل والواقع؟


موقف ألبير إنشتاين


إن أهم ما يميز العقلانية العلمية هو كونها عقلانية مبدعة ومبتكرة تستقي أدواتها من العقل الرياضي، فالمفاهيم والمبادئ التي يتكون منها النسق النظري لأي علم (الفيزياء مثلا) هي إبداعات حرة للعقل الرياضي، بل وتمثل أساس النظرية العلمية، فتبقى التجربة بذلك تابعة للعقل، والعقل هو أساس العقلانية العلمية. (إن المبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في التجربة، بل في العقل الرياضي).


موقف هانز رايشنباخ


إن الأبنية العقلية الرياضية التي تتعالى عن الملاحظة والتجريب لا تؤسس معرفة علمية، بل هي أقرب ما تكون إلى التصوف منها إلى العلم، والقاسم المشترك بين هذه النزعة الصوفية الرياضية، وبين الأشكال غير الرياضية للنزعة الصوفية، هو انطلاقها من رؤية فوق حسية، ولكن ما يميزها عن تلك الأشكال الأخرى هو استخدام تلك الرؤية في إثبات حقيقة معرفة علمية متوصل إليها اعتمادا على منهج معقول يقتضي العقل والملاحظة معا. (المعرفة العلمية يتم التوصل إليها باستخدام مناهج معقولة لأنها تقتضي استخدام العقل مطبقا على مادة الملاحظة).


موقف روبير بلانشي


ليست العقلانية العلمية نزعة اختيارية تعتبر العقل بمثابة مرآة تنعكس فيها معطيات التجرية، كما ليست عقلانية قبلية تقوم على منظومة من القواعد الثابتة . إنها عقلانية تجريبية وبعدية تلغي ما قبلها، بحيث تعتبر بأن العقل العلمي، في تكيفه مع الوقائع التجريبية التي يعرضها ، يراجع مبادئه وقواعده باستمرار، لينزع عنها ما قد يلتصق بها من ثبات وإطلاقية، وليبقى التفاعل بين العقل والتجرية هو أساس العقلانية العلمية. (التحولات التي تمس عدتنا الفكرية تأخذ صورة مراجعة تلغي، في سياق ما يعرض لنا من تجارب، جزءا متزايدا من القواعد التي كانت تعتبر ذات ضرورة قبلية).


موقف غاستون باشلار


إن العقلانية العلمية المعاصرة هي عقلانية فلسفية مطبقة، تقوم على ضرورة امتلاك يقين مزدوج، يجعل الواقع خاضعا لما هو عقلي، مثلما يجعل ما هو عقلي مستخلصا من صميم ما هو تجريبي واقعي؛ إذ لا يمكن الحديث عن عقلانية فارغة من أي محتوى تجريبي، كما لا يمكن الحديث عن أي اختبارية (تجريبية) غير مسترشدة بما هو عقلي، وإلا ستكون اختبارية عمياء، وبناء عليه، فتأسيس العلوم أو العقلانية العلمية مشروط بذلك الحوار الجدلي بين العقل (النظرية) والواقع (التجربة). (إن هذا اليقين المزدوج لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار فلسفة لها نشاطان يمارسان عبر حوار دقيق ووثيق بين العقل والواقع).


موقف جون بيير فرنان


إن اعتبار العقل ظاهرة بشرية، يجعله عنصرا نسبيا خاضعا لشروط تاريخية معينة؛ إذ هكذا سينتقل العقل من اللاهوتية إلى أشكال من الفكر العقلاني المتغير والمتنوع بين الاستدلال والبرهان والتفنيد وتقصي الوقائع والتمحيص التجريبي، وسيصير محايثا للتاريخ البشري، بحيث سيهيمن على تقدم العلوم، فيحدد انطلاقا من مبادئ عقلية وضعت مسبقا وبصفة نهائية، مسار الحركة العلمية. وعليه فان النظرة المتحولة والنسبية للعقل هي التي تميز النهج العقلاني المعاصر على عكس العقلانية الكلاسيكية التي تتشبت بتصور ثابت ومطلق عن العقل، (إن من يطبق على العقل سلسلة النسبية التي تميز كل نهج عقلاني، لا بد وأن يرى كيف تمكن بالفعل من إدراك الواقع والإمساك به).


موقف أولمو


يميز أسس العقلانية الكلاسيكية من أسس العقلانية المعاصرة، معتبرا أن (ديكارت) كممثل للعقلانية المطلقة  جعل العقل الإنساني المجسد في الخلق الرياضي، صورة من العقل الإلهي؛ فتكون بذلك قوانين الطبيعة مماثلة لقوانين الفكر، لأن كليهما إسقاط للعقل المطلق نفسه، في حين أن العقلانية النقدية «لكانت»، ترى بأن التجربة هي التي تفرض بالضرورة على الطبيعة قوانين العقل، لأنه لا يدرك من العالم إلا ما هو مطابق لقوانين العقل. «إن بين عقلانيتي ديكارت وكانط شيء مشترك هو الاعتقاد في وجود مضمون للعقل، وهي البداهات أو الطبائع البسيطة عند ديكارت، مقولات أشكال قبلية للحدس لدى كانط ، فهنالك لدى كل منهما، إذن، معطى قبلي »


موقف محمد أركون


يرى بأن العقل والعقلانية عرفا تطورا كبيرا في أوربا، وبالخصوص مع ديكارت، و اسبينوزا ، اللذين عملا على نقل العقل البشري من حقبة العقل اللاهوتي القروسطي إلى مرحلة العقل الحديث الكلاسيكي المرتكز على اليقينيات المطلقة والذي سينتقل بدوره إلى مرحلة العقل النسبي أو النقدي المعاصر الذي يصحح ذاته باستمرار ويبلور معرفته ويؤمن بتقدمه، حتى لا يسقط في هاوية العلمية والضياع. (أصبحنا الآن أمام عقل جديد، أقصد أمام عقلانية جديدة أمنت للغرب تفوقه على جميع شعوب الأرض).


تركيب عام للمحور :


اختلفت الرؤى وتباينت التصورات حول طبيعة العقلانية العلمية في ظل تغليب منطق العقل ( النظرية) على التجربة أو تغليب الواقع (التجربة) على العقل واعتباره أساس العقلانية العلمية لكن محدودية هذا الواقع وإعادة التحقق من نظريات العقل، يفرضان على كل عقلانية علمية أن تقوم على يقين مزدوج أساسه ذلك الحوار الجدلي بين ما هو عقلي وما هو واقعي، فلا وجود لنظرية علمية خالصة، كما لا توجد تجربة علمية مستقلة عن العقل.



تعليقات حول الموضوع

مواقعنا الإجتماعية

تابعنا على الفيسبوك

اكثر المواضيع تصفحا هذا الاسبوع

اكثر المواضيع تصفحا هذا الشهر

جميع الحقوق محفوظة لمدونة صوفي لايف © 2018