أحدث المقالات والدروس

درس طبيعة السلطة السياسية / مفهوم الدولة / مجزوءة السياسة

author image

 




فيديو الدرس (حصري على قناة صوفي لايف)


https://www.youtube.com/watch?v=eo-m0XslFIQ



ملخص الدرس


------- المحور الثاني : طبيعة السلطة السياسية -------

تأطير إشكالي للمحور

إذا كان امتلاك الدولة للسلطة واحتكارها للعنف ولجوءها إلى القمع، كما يتبين من طرح اسبينوزا » ما هو إلا وسيلة لتحقيق وضمان الحريات. وإذا كان تحقيق الدولة لغاياتها، يقتضي العمل السلطوي لمؤسساتها. فما طبيعة سلطتها السياسية؟ وما الذي يمنع من أن تتحول الدولة بعد احتكارها أدوات وأجهزة ممارسة السلطة أو توحدها في يد شخص أو مؤسسة إلى الاستبداد، لتصير دولة قمعية استبدادية كما حدث في مجموعة من التجارب التاريخية؟ ألا ينبغي جعل سلط الدولة السياسية موضوع تفكير أو نقد لكي تمنع الاستبداد وتضمن الحريات؟ وهل السلطة تتمركز في الأجهزة السياسية أم أنها تخترق كل الجسد الاجتماعي، ثم هل هذه السلطة مجال للتوافق والتعاقد أم أنها مجال للصراع والتنافس الاجتماعي؟


موقف نيكولا ماكيافيلي

يقدم «ماكيافيلي» معالم سياسة تتميز بطابعها البراغماتي والواقعي الذي يجعل من القوة وسيلة للتحكم في الناس والسيطرة عليهم، ومن المكر والخداع تقنية لممارسة السياسة ومواجهة الوقائع والأحداث. فالناس ليسوا أخيارا أو فضلاء بل مخادعون وأشرار، وبالتالي فقد كان لزاما أن يُتحكم فيهم بالقوة والخديعة، حتى ولو كان ذلك تجاوزا للأخلاق. إن الأمير مطالب بأن يكون أسدا وثعلبا في نفس الوقت. « على الأمير أن يكون ثعلبا لمعرفة شبكة الفخاخ، ويكون أيضا اسدا ليخيف الذئاب، فذلك الذي يريد أن يكون أسدا فقط لا يفهم شيئا» 


موقف عبد الرحمن بن خلدون: 

السياسة اعتدال، هكذا يصرح ابن خلدون» حينما يؤكد بأن الممارسة السياسية ليست تسلطا أو استبدادا من طرف الحاكم تجاه محكوميه، بل هي رفق وتوسط واعتدال، بموجبه تنبني العلاقة بين السلطان والرعية على الصلح والعدالة اللذين يخدمان مصلحة الطرفين، فمصلحة الرعايا في الحاكم في استقطابه إليهم وفي لينه وحكمته، لا في تطرفه وبطشه الذي يفسد بصائر الناس وأحلامهم، فتمحي محبتهم للسلطان، وتصبح علاقتهم به مبنية على الخداع والمكر والكذب عوض الصدق واللطافة والمحبة . « إن الملك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات، منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة ... وإذا كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به، وأشربوا محبته ». 


موقف جون لوك:

 لا يمكن للمجتمع السياسي أن يصبح سلطة، إلا إذا كانت هذه السلطة صادرة عن إرادة الأفراد، وذلك من خلال تأسيسهم لهيأة أو حكومة شرعية متفق عليها، تعبر عن رغبة الأكثرية وهذه الحكومة هي التي لها سلطة إصدار القوانين والأحكام، التي من المفروض أن يتقيد بها كل فرد بحكم الاتفاق والتعاقد الاجتماعي، وعلى اعتبار أن قرار الأكثرية يعتبر بمثابة قرار المجموع، فيكون ملزما للأقلية «...ما ينشئ المجتمع السياسي ويكونه إن هو إلا  اتفاق فئة من الناس الأحرار الذين يؤلفون أكثرية على الاتحاد وتأليف مثل هذا المجتمع ».


موقف مونتيسكيو

يميز في السلطة بين سلطة تشريعية، سلطة تنفيذية وسلطة إصدار الأحكام، ويستبعد الأطروحة التي تدعو إلى توحيد السلط واحتكارها من طرف شخص واحد أو هيئة واحدة كما دافع عن ذلك هويس، و اسبينوزا .. ويرى بأنه لضمان الحرية داخل الدولة، وعدم استغلال أجهزتها لاحتكار السلطة وممارسة الاستبداد، ينبغي العمل على الفصل بين السلط، بحيث تحد كل سلطة من السلطة الأخرى وتمنع احتمال تحويل النظام السياسي إلى نظام استبدادي، وحتى لا تصبح أجهزة الدولة أداة في يد حاكم أو جماعة دينية، عرفية اقتصادية...) لقمع المواطنين وليس حماية حرياتهم وحياتهم وممتلكاتهم، فالتجارب تؤكد بالملموس أن كل إنسان يتولى السلطة محمول على إساءة استعمالها، إذا لم يجد حدا يقف عنده، « لن تكون هناك أية حرية إطلاقا، إذا لم تكن السلطة المتعلقة بإصدار الأحكام منفصلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية ».


موقف لوي ألتوسير

يرى أن ممارسة السلطة السياسية نابعة من كون الدولة عبارة عن مجموعتين من الأجهزة؛ تضم إلى جانب الأجهزة القمعية (حكومة، إدارة، جيش شرطة، حاكم، سجن...) مجموعة أجهزة أخرى هي الأجهزة الإيديولوجية (جهاز ديني، جهاز عائلي، مدرسي، قانوني، سياسي، نقابي وإعلامي...). والفرق بين المجموعتين هو أن الجهاز القمعي للدولة واحد وموحد وينتمي للمجال العمومي بينما الجهاز الإيديولوجي متعدد وينتسب إلى المجال الخاص.« في جانب الجهاز القمعي للدولة. هناك الأجهزة الإيديولوجية».


موقف ميشيل فوكو

ينتقد «فوكو » المواقف التقليدية التي تحصر السلطة في مجموع المؤسسات والأجهزة التي فوضت للبعض القيام بمهمة إخضاع المواطنين داخل دولة معينة (رجال السلطة). ويرى بخلاف ذلك أنه لا يمكن النظر إلى هذه السلطة كجسم منفصل، بل هي متواجدة في كل الجسم الاجتماعي، تنتج عن علاقات القوة والصراع بين مكوناته، حول اللغة والسلطة، الحقيقة والسلطة، الأسرة والسلطة، وتتجسد بشكل واضح في الدولة. بهذا لا يمكن الحديث عن السلطة بصيغة المفرد، فهناك تصور للسلطة يتسم بالتجدد . إنها وضعية إستراتيجية معقدة في مجتمع معين. «السلطة تعني علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة للمجال الذي تعمل فيه.. .انها حاضرة في كل مكان».


موقف ألان توران

ينتقد طبيعة السلطة السياسية، اعتمادا على مفاهيم الديمقراطية والحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية . ويعتبر بأن الديمقراطية في صراعها ضد السلطة المطلقة إنما كانت تصارع الاستبداد العسكري والحزب الكلياني والفردانية المطلقة، وذلك بهدف خلق نظام سياسي يسمح للقوى الفاعلة الاجتماعية بالتكوين والممارسة الحرة، انطلاقا من ثلاثة مبادئ أساسية هي: الاعتراف بالحقوق الأساسية التي ينبغي احترامها ، وصفة التمثيل الاجتماعي للقادة وسياساتهم ثم الوعي بالمواطنة «الديمقراطية ترتكز اليوم على القادة بشكل حر، وعلى الحد من السلطة السياسية بواسطة مبدإ غير سياسي».


تركيب عام للمحور 

إن استمرارية الدولة في الوجود وغاياتها من هذا الوجود، يفرضان على ممارستها السياسية أن تكون متحركة بين القوة والوهن، بين المعرفة والجهل، موصوفة بالتبصر والاعتدال لتحقيق منافع الناس بما فيهم الحاكم والسبيل الخير لبلوغ ذلك هو أن تكون السلطة محايثة للمجال الذي تعمل فيه، بل ومبنية على الديمقرامية التي تفصل بين السلط وتكفل حرية الأفراد داخل الدولة.