أحدث المقالات والدروس

مفهوم الغير: المحور الثاني: معرفة الغير

author image

  


 
فيديو الدرس (حصري على قناة صوفي لايف)

https://www.youtube.com/watch?v=9VOIpHhCrnk&t=7s


ملخص الدرس

المحور الثاني: معرفة الغير     ± هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟

تأطير إشكالي

لربما صار وجود الغير مسالة أنطولوجية هامة، استأثرت باهتمام الفلسفات الحديثة والمعاصرة، غير أن معرفة هذا الغير أضحت إشكالا فلسفيا يطرح أكثر من سؤال : فكيف يمكن معرفة الغير ؟ وعلى اي اساس تقوم هذه المعرفة ؟ ثم، ألا يمكن أن تجعل منه موضوعا مجردا من الحرية والإرادة الإنسانية ؟

موقف إدموند هوسرل

إن التعرف على الغير لا يتم بوصفه موضوعا أو باعتباره ذاتا مستقلة عن الأنا ، بل باعتباره ذاتا تشبهني ، وتختلف عني . إن الغير يوجد مع الأنا في العالم ، وعن طريق التوحد به حدسيا ، يصبح هو أنا وأنا هو ، فالذات تدرك العالم وتدرك الغير كعنصر منه . إنه عالم البينذاتية الذي يؤسس العالم الموضوعي . « إنهم ذوات تدرك العالم ، العالم  ذاته الذي أدركه ..

1-       تــأطـيـر الــنـص:

 نص فلسفي معاصر مقتبس من كتاب " تأملات ديكارتية " يروم فيه الفيلسوف إلى إعادة تأسيس الكوجيتو الديكارتي و إخراجه من عزلته و فتحه على العالم وفق مفاهيم الفينومبنولوجيا كمفهوم القصدية الذي هو وعي بشيء ما  كأن تعي بأنك ذات بعينها.

2-         إشكال النص:

كيف يمكن القول أن وجود الغير يتوفر على تجربته و تجربة العالم و تجربة الآخرين ؟

3-         مفاهيم النص:

- أنا Moi : حقيقة الانسان الثابثة و الحاملة لكل الحالات النفسية و الفكرية، كما يدل اللفظ على الجانب الواعي في شخصية الانسان.

- إدراك Perception : يدل اللفظ على معنيين :

 - إدراك حسي : المعرفة المباشرة للأشياء بواسطة الحواس

- الوظيفة التي تسمح للفكر بتصور الأشياء و تمثلها.

- القصدية Intentionnalité : هو الوعي بشيء ما، أي أن تعي بأنك ذات بعينها. فمن شأن كل وعي ان يتجه نحو الموضوع، ا وان يستهدف شيئا. فالدراك الحسي هو ادراك لموضوع مدرك، و الرغبة هي رغبة في شيء يكون موضوعا لها، و الحكم هو حكم علة حالة قائمة من حالة الأشياء.

4-        أطروحة النص:

وجود الغير في علاقته بالأنا وجود مزدوج، فهو يوجد في العالم كموضوع و كذات تدرك العالم من خلال تجربته و تجربة الآخرين .

5-        أفكار النص:

- إدراك الآخر هو إدراك الذات في تجربتها مع العالم و الآخرين و اتباط الآخرين بأجسامهم - اختلاف بين تجربتي العالم و الآخرين لاستقلال كل واحد منهما بظواهر الخاصة التي تميزه - خصوصية فعل الوجود و أصالته و ارتباطه بالواقع الموضوعي للذات.

6-        حجاج النص:

- العرض:

- " أدرك الآخرين في سلسلة تجارب معينة..."

- التفسير: " فارتباط الآخرين بأجسامهم، باعتبارهم موضوعات..."

- الإثبات : " إن عالم التجربة موجود في ذاته خلافا لكل الذوات..."

- التساؤل: " فكيف السبيل لفهم هذا ؟ ".

7-        خلاصة تركيبية :

إن عملية الادراك التي تتجه نحو الموضوع لإدراك الآخر هي تجربة تختلف باختلاف تجارب الفرد و استقلال كل واحد منهما بظواهره الخاصة التي تميزه. و هذه الاستقلالية تضفي خصوصية خاصة لفعل الوجود بما يكتنزه من أصالة و تفرد.

8-        قــيـمـة الــنــص:

 إن قيمة النص الهوسرلي " تأملات ديكارتية " في تطبيقه للمنهج الفينومولوجي على الوعي أو الشعور نفسه، فلم يلبث الفيلسوف أن اصطنع ضربا من الشك الديكارتي راميا من وراء ذلك العودة إلى الذاتية و تعقل الموضوع المفكر فيه، بمعنى أنني أفكر في موضوع متعقل، أي أنه ينصب على موضوع متعقل يكون مثله كمثل واقعة الفكر نفسها.

9-       -حدود النص:

موقف جون بول سارتر

يقدم مثال النظرة لتوضيح استحالة العلاقة المعرفية بين الأنا والغير؛ لأن هذه المعرفة تنتهي دائما إلى تحويل الغير إلى مجرد شيء من أشياء العالم الفاقدة اللوعي والحرية، كما أن رغبته في معرفتي تحولني إلى شيء. ومن ثم فإذا كان وجود الغير وسيطا ضروريا لوعى الانا بذاتها، فإن معرفته مسالة غير ممكنة، بل مستحيلة. «إنني اتملك نظرة الغير في صميم فعلي، بوصفها تجميدا لممكناتي الخاصة واستلابا لها».

موقف غاستون بيرجي

إن تجربة الأنا الذاتية هي تجربة معزولة في العالم، على اعتبار أن عالم الانا عالم مغلق وغير قابل للإدراك من طرف الغير، ومن ثم فمعرفة الغير للانا أو معرفة الأنا للغير غير ممكنة، فبينهما جدار سميك لا يمكن تخطيه او تجاوزه رغم ما يوجد بينهما من علاقات إنسانية، «هكذا هو الإنسان، سجين في آلامه، ومنعزل في لذاته ووحيد في موته.. محكوم عليه بان لا يشبع ابدا رغبته في التواصل، والتي لن يتخلى عنها أبدا»

موقف موريس  ميرلوبونتي

إن معرفة الغير ممكنة عبر التواصل الإنساني معه، والانفتاح عليه ومبادلته الاعتراف. فنظرة الغير لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحوله نظرتي إلى موضوع، إلا عند الانغلاق على الذات ورفض التواصل. إن وجود الأنا يكاد يكون لاغيا إن لم يكن يقصد الغير، ومعرفة الأنا للغير إنما هي معرفة قادرة على النفاذ إلى أعماق الغير والتواصل معه. «من خلال وضعياتنا الخاصة يتمكن وعينا من بناء وضعية مشتركة يتم التواصل من خلالها».

موقف ماكس شيلر

يرى أن معرفة الغير ممكنة، وذلك من خلال إدراك كلي، يجمع بين إدراك المظاهر الجسدية وإدراك الإحساسات النفسية الداخلية؛ بمعنى أن التعبيرات الجسدية كَتَسَمُّرٍ الوجه والابتسامة والتصاق اليدين...لا تدل على الإحساسات الداخلية مثل الهم والحزن والفرح والحب، بل إن تلك التمظهرات الجسدية هي ذاتها الإحساسات الداخلية، وهذا إنما يدل على أنه لا ينبغي تقسيم الغير إلى ظاهر و باطن؛ اي تجزيء ظاهرة التعبير لديه، وإنما ينبغي إدراكها كوحدة كلية غير قابلة للفصل أو التجزيء، وبذلك فمعرفة الغير لا تكون كذلك إلا إذا تخطت حاجز ثنائية الجسد روح. ثم إن هذه المعرفة ذاتها تقوم على الية التعاطف الوجداني والمماثلة التي تجعل الإنسان يرغب في التقرب من الغير والتعرف عليه من خلال عملية إسقاط واستشعار وجداني لإحساسات الغير على الذات. «ان ما ندركه منذ الوهلة الأولى، ليس جسد الغير، ولا نفسيته، بل ندرك الغير بوصفه كلا  لا يقبل القسمة ».

موقف نيكولا مالبرانش

ان موضوعات النفس البشرية، من إحساسات ومشاعر، لا نعرفها معرفة يقينية مباشرة، وإنما نكتفي بمعرفة تقريبية وافتراضية، مما يجعل أحكامنا المرتبطة بالغير معرضة للخطأ في أغلب الأحيان، ومن ثم فمعرفته تبقى معرفة غير ممكنة، لأننا نبني تلك المعرفة على معرفتنا لذواتنا، ونظن أن نفوس الآخرين ومشاعرهم هي التي لدينا. وهذا الاستدلال بالمماثلة غير صحيح. «المعرفة التي لدينا عن الناس الاخرين تكون كثيرة التعرض للخطا إذا نحن اقتصرنا في حكمنا فقط على عواطفنا».

تركيب محور معرفة الغير

إن معرفة الغير تظل إشكالا فلسفيا مفتوحا يتأرجح بين تصورات متباينة بشان إمكانية هذه المعرفة أو عدم إمكانيتها؛ فمعرفة الغير عبر التواصل الإنساني معه (ميرلوبونتي)، وتجاوز ذلك إلى التحالف الوجداني معه إلى حد المماثلة (شيلر) أوالتوحد به حدسيا في إطار عالم البينذاتية (هوسرل) تكون ممكنة، أما إذا تم التركيز قطعا على الاستدلال بالمماثلة قصد تعميم المعرفة بالذات على معرفة الغير (مالبرانش) أو تحويله إلى موضوع شيئي ( سارترا) أو خلق عزلة وانغلاقية ذاتية لا يقدر على إدراكها (بيرجي)، فان تلك المعرفة تصبح غير ممكنة.