أحدث المقالات والدروس

مفهوم الغير: المحور الثالث: العلاقة مع الغير

author image

   


فيديو الدرس (حصري على قناة صوفي لايف)


https://www.youtube.com/watch?v=KXpu4nwexkY&t=80s


ملخص الدرس

المحور الثالث: العلاقة مع الغير     ± هل العلاقة مع الغير هي علاقة تكامل أم تنافر؟


تأطير إشكالي


إن الكشف عن طبيعة العلاقة التي يمكن أن تربط الأنا بالغير، يقتضي طرح التساؤلات الإشكالية التالية : ما نوع العلاقة التي يجب أن تقوم بين الذات والغير؟ وعلى اي اساس تقوم هذه العلاقة؟ هل على النبذ والهيمنة والمنفعة أم على أساس اخلاقي خالص يتضمن مبادئ الواجب والتسامح والتواصل والاحترام، والغيرية باعتبارها نكرانا للذات وتضحية من أجل الآخر؟

موقف أرسطو  

إن الإنسان مهما كان سنه ومهما كان وضعه الاجتماعي ، هو في حاجة إلى أصدقاء ، ولذلك فماهية العلاقة التي تربط الإنسان بالآخرين ، تكمن في الصداقة باعتبارها قيمة أخلاقية ومدنية تتأسس في الوقت نفسه على المنفعة والمتعة والفضيلة ، وصداقة الفضيلة هي الصداقة المثلى التي ينبغي أن تكون، لأنها تتضمن محبة الخير والجمال للذات وللآخرين . «إن الصداقة هي ضرب من الفضيلة أو على الأقل إنها دائما  محفوفة بالفضيلة» .

1-       تأطير النص:

هذا النص مقتطف من كتاب أرسطو " الأخلاق إلى نيقو ماخوس". وهو واحد من أفضل الكتب التي ألفت في موضوع الأخلاق على الإطلاق، فهو غني بتحليلاته للمعاني الأخلاقية والنفسية وبحججه البارعة. ويحيل هذا النص مباشرة على مجزوءة الوضع البشري، ويطرح مشكل العلاقة بين الأنا والغير: من خلال مفاهيم صريحة، وهي: الصداقة، الفضيلة، الحب، العدل. وأخرى ضمنية، وهي: العداوة، الرذيلة، الكراهية، الظلم .

2-       الإشكال:

ما هو الأساس الذي تقوم عليه علاقة الإنسان بالآخرين: هل على الصداقة أم على العداوة ؟

3-       مفاهيم النص:

­ الصداقة: علاقة بين شخصين أو أكثر، تقوم على الحب والاحترام: ولذلك فهي ضرب من الفضيلة أو على الأقل تكون محفوفة بها دائما.

­ الفضيلة: خلاف الرذيلة، وتعني الاستعداد الدائم لسلوك طريق الخير أو مطابقة الأفعال الإرادية للقانون الأخلاقي.

­ الحب: نقيض البغض، وهو الميل إلى الشيء السار، والغرض منه إرضاء الحاجيات المادية أو الروحية.

­ العدل: في اللغة الاستقامة والميل إلى الحق، وهو الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط.

4-       أفكار النص:

 1) إن الصداقة ضرب من الفضيلة، أو على الأقل إنها دائما محفوفة بالفضيلة.

2) إن الأصدقاء هم الملاذ الوحيد الذي يمكننا الاعتصام به في حالة البؤس والشدائد المختلفة .

3) إن قيام الصداقة الحقة بين الناس يجعلهم في غنى عن العدالة والقوانين .

5-       أطروحة النص:

يعتبر أرسطو أن ماهية العلاقة التي تربط الشخص بالآخر هي الصداقة، ومتى أحب الناس بعضهم بعضا لم تعد هناك حاجة إلى العدل، لأن قيام " صداقة الفضيلة " بين الناس تجعلهم في غنى عن العدالة والقوانين .

6-       الحجاج:

يعتمد أرسطو تقنيات حجاجية مختلفة للدفاع عن أطروحته منها :

- التفنيذ: " إن لا أحد يقبل أن يعيش بلا أصدقاء "

- التوكيد: " إن الصداقة هي ضرب من الفضيلة "

- التفسير: " و هي فوق ذلك إحدى الحاجات الأشد ضرورة للحياة"

- المثال:" و هذا الإحساس يوجد لا بين الناس فقط، بل يوجد أيضا في الطيور..."

- التشبيه:" بل كثير من الناس يشتبه عليهم لقب الرجل الفاضل بلقب الرجل المحب "

7-       خلاصة التركيبية:

تقوم علاقة الأنا بالغير، في نظر أرسطو، على أساس الصداقة الحقة التي تجعل الناس يعيشون في حب ووئام. بحيث أن حبهم لبعضهم يجعلهم في غنى عن العدل، ما دامت الصداقة علاقة تكامل تؤدي إلى نبذ التنافر و الصراع.

8-       قيمة النص:

تتجلى قيمة هذا النص في القطع الذي أحدثه أرسطو مع فلسفة أستاذه أفلاطون، و الذي يرى أن الصداقة تقوم على الحب بمعناه المثالي وحده، في حين نظر أرسطو إلى الصداقة باعتبارها قيمة مدنية و أخلاقية، و أن هناك ثلاثة أنواع من الصداقة و هي : صداقة المنفعة، و صداقة المتعة، و صداقة الفضيلة. و هذه الأخيرة حسب أرسطو هي الصداقة الحقة.


9-       -حدود النص:


موقف إيمانويل كانط


تقوم العلاقة بين الأنا والغير على مبادئ أخلاقية، وعقلية وذاتية وكونية سامية؛ فالصداقة باعتبارها قيمة مثلى، تقوم على توازن بين عناصر الواجب الأخلاقي المحض، هي مثال العلاقة الإنسانية النبيلة التي تجمع بين مشاعر الحب والاحترام المتبادل بين الأنا والغير بعيدا عن كل منفعة مباشرة أو مصلحة متبادلة. «لا يجب أن تقوم الصداقة على منافع مباشرة ومتبادلة، بل يجب أن تقوم على أساس أخلاقي خالص».


موقف أوغست كونط


إن العلاقة مع الغير، ينبغي أن تتأسس على قاعدة الغيرية، باعتبارها نكرانا للذات وتضحية من أجل الغير، وتقيم قطيعة مع الأنانية، فهي الكفيلة بتثبيت مشاعر التعاطف والمحبة بين الناس، فتجد الإنسانية غاياتها الكبرى في نشر قيم العقل والعلم والتضامن والاستقرار في العالم. «وحدها دوافع التعاطف الإنسانية تصنع الانطلاقة الحقيقية الثابتة لحياة من أجل الغير».


موقف جوليا كريستيفا


تعتبر أن الغريب ليس هو ذلك الغريب الموجود خارج ذواتنا، والذي نعتبره عادة عدوا أو دخيلا يهدد وحدة الجماعة، بل إنه ذاك الذي نستبطنه في ذواتنا، ويسكن فيها بشكل غريب، فينشأ عن التعرف على ذواتنا واختلافاتنا، مما يؤدي إلى غرابتنا، وعليه فإن علاقتنا بالآخر، أيا كان، ينبغي أن تقوم على التعايش والتسامح بدل النبذ والإقصاء، «إن الغريب يسكننا على نحو غريب».


موقف ألكسندر كوجيف


يوضح العلاقة بين الأنا والآخر اعتمادا على فلسفة «هيغل» القائمة على جدلية العبد والسيد، والتي ترى بأن هذه العلاقة ليست قائمة على الصداقة، ولا على الشفقة، وإنما على مبدأ الهيمنة، فالإنسان إما سيد الغير أو عبده، وهو لا يخرج عن هذه العلاقة التراتبية القائمة على الصراع من أجل الاعتراف وفرض الهيمنة. «الوجود البشري لا يتكون إلا من خلال الصراع الذي يؤدي إلى العلاقة بين سيد وعبد »


موقف موريس ميرلوبونتي


إن فتح قنوات الحوار مع الغير، ومد جسور التواصل معه سواء كان من خلال النظرة، أو من خلال الكلمات، وعدم اعتباره قابلا للإقصاء والتشييء هو الذي يوطد العلاقة بين الأنا والاخر. «الامتناع عن التواصل هو نوع من التواصل».


موقف مارتن هايدغر


إن علاقة الأنا بالغير هي علاقة اشتراك بين الذوات، وهو اشتراك يدل على وضعية الإنسان في العالم من خلال تجربته الحية، ومن خلال علاقته بالكائنات البشرية الأخرى، فعالم الوجود هو عالم مشترك، والوجود في العالم هو وجود مع الغير. «الآخرون يلتقون انطلاقا من العالم الذي سيبقي وفقه الوجود ».


تركيب محور العلاقة مع الغير


إن العلاقة مع الغير يجب أن تكون قائمة على مبادئ الفضيلة والواجب الاخلاقي ونكران الذات والتضحية من أجل الاخر ( الغيرية)، كما ينبغي أن تتأسس أيضا على قيم التواصل والتفاهم والحوار بعيدا عن أية نظرة نفسية أو أنانية أو مبدا إقصاء أو هيمنة.



خلاصة عامة لمفهوم الغير


إن ارتباط مفهوم الغير بمفهوم الأنا أو الشخص، هو ما يثير المجال الإشكالي لمفهوم الغير على اعتبار أن علاقته بالأنا علاقة إشكالية لها مستوياتها وتجلياتها ومترتباتها. فالأنا ليست مستقلة أو معزولة، بل وجود الغير ضروري لوجودها، كما أن معرفة الذات تمر عبر معرفة الغير، وعليه فمن اللازم أن يدرك كل طرف الآخر باعتباره ذاتا واعية، مريدة وحرة، ذاتا شبيهة بالأنا ومختلفة عنها، قريبة منها وبعيدة عنها، صديقة لها وغريبة عنها في نفس الوقت... وكل ذلك ينبغي أن يكون في إطار من العلاقات الإنسانية القائمة على أسس أخلاقية وعقلية وكونية.