صوفي لايف

ملخص درس مفهوم العنف خاص بشعب الآداب والعلوم الإنسانية


ملخص درس مفهوم العنف خاص بشعب الآداب والعلوم الإنسانية




ملخص درس مفهوم العنف خاص بشعب الآداب والعلوم الإنسانية

(المفهوم الثاني من مجزوءة السياسة والخاص بالآداب والعلوم الإنسانية)


(تقديم المفهوم + تأطير إشكالي ومواقف وتركيب كل محور من المحاور الثلاثة للمفهوم + خلاصة عامة للمفهوم)



مفهوم العنف  
تقديم عام حول مفهوم العنف  
غالبا ما يجرنا الحديث عن العنف إلى إرفاقه بمرادفات أخرى كالشدة أو القوة، وكل فعل شديد يخالف طبيعة الشيء، ويكون مفروضا عليه من الخارج. فهو بمعنى ما، فعل عنيف، والعنف بصفة عامة هو استخدام القوة استخداما غير مشروع، أو غير مطابق للقانون. إنه سمة تاريخية مميزة للمجتمعات البشرية، لا تقتصر على البعد المادي، بل تتعداه إلى أشكال أخرى ووسائل عظمی يمكنها أن تتجاوز المعطى الفردي إلى المظهر الجماعي... فما هي أشكال العنف وتجلياته؟ وما علاقته بالتاريخ؟  
المحور الأول: أشكال العنف
تأطير إشكالي لمحور أشكال العنف
العنف قضية إشكالية تطبع الحياة الإنسانية منذ أن وجد البشر على ظهر الأرض، إنه مفهوم شامل وعام، يمثل عملة واحدة لأوجه متعددة، تتجسد في أشكال ومظاهر متأصلة في الإنسان. فما هي هذه التمظهرات التي يتخذها العنف؟ وهل العنف هو ذلك الفعل المادي المرتبط بالجانب الحسي أم أنه شيء آخر غير ذلك؟
الإشكالية المحورية
ما هي طبيعة العنف؟ ما هي أشكاله ومظاهره؟
1)- موقف كونراد لورينتز
يرى أن الإنسان عنيف وعدواني بطبيعته الغريزية، وهذا يرتبط بمؤثرات خارجية؛ ذلك أن ما قد يتعرض له الإنسان من قهر أو عنف، لأمد طويل، من المرجح أن يترك آثارا نفسية مدمرة لديه، فيشكل ذلك سببا للاستفزاز الدائم والتصرف بحقد أو عدوانية تجاه الآخرين. وبهذا فالعنف من حيث هو فعل مدمر، يتم توجيهه ضد الآخر لإخضاعه، ويتخذ شكل العدوانية، وهي عدوانية مشتركة بين الإنسان والحيوان، بمقتضی القرابة الموجودة بينهما. (لا أحد بمقدوره إنكار الطبيعة الغريزية والنزوعية للإنسان).
2)- موقف ايريك فروم
يرى أن أشكال العنف التي تميز الإنسان، والمرتبطة بظواهر وطقوس شعائرية قديمة تتجلى في ممارسات الشعوب القديمة، ليست الغاية منها هي التدمير، لأنها ليست مرتبطة بالطبيعة الغريزية للبشر، وإنما تغذيها بعض الظروف الخارجية والأحداث المفاجئة التي تجسد الرغبة في تأكيد حياة الجماعة ووحدتها، (ليست الطبيعة البشرية هي التي تدفع إلى القيام بهذه الممارسات، بل هناك ظروف خارجية وأحداث مفاجئة تدفع بها إلى الظهور)،
3)- موقف فون كلوزوفيتش
يقيم علاقة وطيدة بين السياسة والحرب، معتبرا أن أشد أشکال العنف ضراوة وتطرفا هي الحرب، التي هي فعل بشري عنيف يختص به الإنسان وحده، ويوجهه نحو الآخر، لإرغامه على الخضوع وتحطيم قدرته على المقاومة. إن الحرب فعل قائم على استخدام القوة بإفراط دون حدود للتوقف حتى الوصول إلى إخضاع الخصم للإرادة الخاصة. (الحرب إذن فعل من أفعال القوة، نحاول بواسطته إرغام الخصم للخضوع لإرادتنا).
4)- موقف إيف ميشو
العنف حاضر في مجتمعاتنا الحالية بأشكال متعددة وطرائق متنوعة، تلجأ إليه المؤسسات والأفراد، لإبادة الآخرين وتدميرهم أو إقصائهم أو على الأقل إخضاعهم. هذه الأشكال التدميرية، كانت حاضرة في الماضي، لكن ما يميزها حاليا باعتبارها عنفا هو أنها صارت أيضا تمارس بنوع من الدهاء والذكاء الساخر الذي يسخر كل الوسائل التعليمية والتقنية حتى تكون له نتائج فعالة، تجعله خطيرا وعظيما. (إن ما يميز العنف المعاصر...هو التدخل المزدوج للتكنولوجيا والعقلنة في إنتاجه).
5)- موقف بيير بورديو
يشير إلى نمط جديد من العنف هو العنف الرمزي، الذي رغم أنه غير مجسد ماديا، فهو قائم على تعسف ثقافي يتلقاه الفرد عبر الكلام، اللغة، التربية... بعيدا عن ثقافته الرسمية، انطلاقا من ثقافة وإيديولوجية الطبقة السائدة المختلفة عن ثقافته. إنه عنف خفي غير ملموس، يأتي في صورة لطيفة، تجعل الفرد لا يراه كعنف بقدر ما يكون مستعدا تلقائيا لتقبله والاعتراف بشرعية المعلومات والآراء والمعتقدات المنقولة إليه، وبالسلطة التربوية لأجهزة الإرسال التربوية على أنها تمثل الصواب والحقيقة. (يمكن أن يحقق العنف الرمزي نتائج أحسن قياسا إلى ما يحققه العنف السياسي أو البوليسي).
6)- موقف جان بودريار
يقدم شكلا من أشد أشكال العنف ضراوة في مجتمعاتنا المعاصرة؛ هو ظاهرة الإرهاب، حيث يفسرها (وبشكل خاص أحداث 11 سبتمبر) على أنها فعل لا أخلاقي نابع من الفهم السيئ للعالم انطلاقا من ثنائية الخير والشر، فهذين الأخيرين يتطوران بشكل مواز لبعضهما، وظهور أحدهما بشكل ملفت ليس معناه ضمور الأخر، وأي انقطاع في علاقة الخير بالشر من شأنه أن ينهي التوازن ويفسح المجال لبروز الشر وتمتعه بالاستقلالية؛ ذلك أن كل عمل إرهابي هو فعل لا أخلاقي، يتولد من عولمة لا أخلاقية. (تحول الشر إلى جرثوم شبحي، يخترق بقاع الأرض وينبعث من كل تخوم وهوامش النظام المهيمن... إنه داخل كل واحد منا).
7)- موقف سيغموند فرويد
يولي أهمية بالغة للإنسان في بعده اللاواعي كما يبدو في الأهواء والميولات: وبشكل خاص في ذلك النزوع العدواني، سواء الفردي (الغرائز الفطرية) والميولات، أو الجماعي (الاستيلاء، الغزوات، الهجرات...)، الذي يهدد المجتمع المتحضر دائما بالانهيار والزوال، مما يفرض على الحضارة الإنسانية التقليص من تلك العدوانية البشرية بردود أفعال نفسية خلقية وأخلاقية في نفس الوقت، (بفعل هذه العدوانية الأولية... يجد المجتمع المتحضر نفسه مهددا باستمرار بالانهيار والدمار).
تركيب عام لمحور أشكال العنف
هكذا ننتهي إذن، إلى القول بأن العنف يتخذ أشکال متعددة ومظاهر متنوعة تشكل تجليات النزعة العدوانية في الإنسان وتطويرا لها، من حيث إنه متأرجح بين عنف مادي وآخر رمزي، بين عنف فردي وآخر جماعي، لكنه يبقى سلوكا متنافيا مع إنسانية الإنسان وفعلا مدمرا لا يمكن قبوله بأي حال من الاحوال.
المحور الثاني: العنف في التاريخ
تأطير إشكالي لمحور العنف في التاريخ
لا يمكن الحديث عن تاريخ الإنسان بدون أن نتوقف عند الدور الذي لعبه العنف في صناعة هذا التاريخ، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. وعلى ذلك فالتاريخ البشري، یکشف - لنا - عن مستويات متشعبة ومعقدة للعنف، تجعلنا نتساءل عن حقيقة الدور الذي يلعبه. فهل فعلا يمكن الحديث عن دور للعنف في التاريخ الإنساني؟ وهل هذا الدور هو بالضرورة دور سلبي؟ ثم كيف نشرع لاستمرارية العنف في التاريخ رغم ظهور القوانين والحقوق والمؤسسات؟
الإشكالية المحورية
كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟
1)- موقف طوماس هوبس
يری (هوبس) أن العنف يتولد عن ثلاثة عوامل رئيسية هي: * التنافس؛ ذلك أن الأفراد يتخذون من الهجوم خير وسيلة لتحقيق منافعهم ومصالحهم وسيادتهم، *والحذر كسبيل لضمان أمنهم وسلامتهم. * ثم الكبرياء الذي يرمز إلى سمعتهم: فرغم ما يتراءى من أن الناس يتشاركون السلطة فيما بينهم بشكل يحول دون أن يعتدي بعضهم على بعض، فإنهم مع ذلك يعيشون حربا خفية غير معلنة ضد بعضهم البعض. (نعثر في الطبيعة الإنسانية على أسباب ثلاثة أساسية هي مصدر النزاع. أولها: التنافس، وثانيها الحذر، وثالثها: الكبرياء).
2)- موقف كارل ماركس
يرى أن المعطى الأساسي في المجتمع هو الصراع بين من يملكون وسائل الإنتاج (المضطهِدون) وبين من لا يملكونها (المضطهَدون). وهذا الصراع يخترق تاريخ المجتمع البشري منذ المجتمع البدائي إلى المجتمع الرأسمالي؛ حيث التعارض الكلي بين طبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا. إلا أن هذا الصراع الطبقي يتخذ طابعا فرديا لا يعيه الفرد ذاته كما قد يتخذ طابع صراع نقابي أو سياسي أو إيديولوجي واضح. ((لم يكن تاريخ أي مجتمع، إلى يومنا هذا، إلا تاريخ الصراع بين الطبقات).
3)- موقف فريدريك إنغلز
حاول (إنغلز) كما (ماركس)، أن يوضح دور العنف باعتباره عاملا من عوامل التاريخ، فالعنف الاقتصادي خاصية ملازمة للمجتمعات الطبقية، ذلك أن ظهور هذه الأخيرة، أدى إلى قيام تباين بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، تجلى في شكل صراع طبقي عنيف أدى إلى حدوث ثورات، هددت النظام السياسي بالزوال، طالما بقي عقبة في وجه التطور الاقتصادي للمجتمع، وهكذا فالعنف الاقتصادي هو الذي يحدد العنف السياسي، وبالتالي يلعب دورا حاسما في حركية التاريخ. (يلعب العنف دورا بارزا في التاريخ، وذلك في ارتباط بالتطور الاقتصادي).
4)- موقف سيغموند فرويد
پری (فروید) أن الإنسان ميال بشكل طبيعي نحو العنف، لحسم خلافاته، وهو في ذلك يشبه الحيوان، فقد ارتبط العنف لديه في البداية بالقوة العضلية لفرض هيمنته. ثم في مرحلة ثانية، ارتبط بالقوة العضلية المسلحة بالأدوات والتقنيات ولكن مع ذلك بقي الهدف هو إرغام الآخرين، وفي المرحلة الأخيرة سيرتبط استخدام القوة المسلحة بالتفوق العقلي ليكون الغرض هو تغيير الآخرين أو إقصائهم بشكل نهائي. وهنا بالضرورة سيتشكل اتحاد القوى الضعيفة لمجابهة القوة المتفوقة لفرد واحد، مما سيعطي الشرعية والحق لقوة الجماعة، وبهذا فالعنف هو الذي أدى إلى ظهور الحقوق والقوانين والقواعد الأخلاقية. (أصبحت قوة أولئك الذين اتحدوا هي التي تمثل القانون على النقيض من عنف الفرد الواحد. وهكذا نرى أن الحق هو قوة الجماعة).
5)- موقف إيريك فروم
يكشف التاريخ البشري للشعوب والقبائل في القديم أن أي ميل نحو التدمير لدى الإنسان، يرتبط أيما ارتباط بأسباب موضوعية خارجية تفاجئ الإنسان وتساهم بشكل كبير في تغذية كل العوامل الذاتية الداخلية التي تتمظهر في الشق السيكولوجي للإنسان. (ليست الطبيعة البشرية نفسها هي التي تظهر فجأة في اللجوء إلى هذه الممارسات، بل هي مجرد طاقة تدميرية تدفعها بعض الظروف الخارجية والأحداث المفاجئة إلى الظهور).
6)- موقف روني جيرارد
پری جيرارد، أن فعل العنف محايث وملازم لجميع المجتمعات، فنشأة هذه الأخيرة كانت قائمة على صراع الرغبات، والسبب الرئيسي الذي أدى إلى زرع وانتشار العنف في تاريخ البشرية هو التقليد والمحاكاة بدءا من أول فعل عنف في التاريخ. غير أن استقرار المجتمعات الإنسانية وتفادي عملية الاقتتال المتبادل (عملية الإلغاء المتبادل)، تفرض على بني البشر الدخول فيما بينهم بتضحيات فعلية بشرية أو حيوانية كحل بديل للعنف، مما سيجعل المجتمعات تعيش في أمن وسلام، (إن الفدية المضحى بها تضفى عليها صفة العدو من الجماعة كلها، وبذلك يتم إيقاف الصراع بين الطوائف).
6)- موقف أنتوني غيدنز
يقدم تصورا سوسيولوجيا نقديا للواقع المعاصر، في ضوء تحولات جذرية غيرت المشهد العالمي والعلاقات المجتمعية الفردية، إنه تصور يتخذ من العنف الممارس ضد المرأة نموذجا للعنف كما يشهد به التاريخ، بعد أن كان العنف الذي حافظ على بقاء النظام الأبوي موجها من الرجل ضد رجال آخرين. (... عوملت (المرأة) بالعنف الذي كانت تقتضيه حيازتها كأحد المنقولات)،
7)- موقف بيير فارنييه
يعرض لبعض نماذج العنف التي شهدتها حضارات إنسانية عبر التاريخ وهي حضارات (الرومان، اليونان، الفرس ...) يظهر فيها العنف إما على شكل نزاع داخلي أو نزاع خارجي، والميزة الأساسية التي تطبع هذه النماذج التي تأخذ شكل مشاجرات أو حروب أو مجابهات مسلحة هي تقنين العنف مثلما تقنن باقي الظواهر الاجتماعية الأخرى. (يجب التمييز بين النزعات المجتمعية الداخلية والخارجية؛ فالأولى منظمة في أهدافها ووسائلها، بينما تستعمل في الأخرى جميع الوسائل الممكنة...).
تركيب عام لمحور الوعي الأخلاقي
العنف محرك التاريخ، هكذا يمكن أن نصرح بأن العنف ليس حدثا فجائيا أو عابرا في تاريخ البشرية، بل هو القوة المحركة له، والتي لازمت الإنسان منذ القدم، فكان أحيانا طريقا مؤديا إلى نشوء الحق أو القانون، وأحيانا أخرى سبيلا لا محيد عنه لتحقيق التطور الاقتصادي للشعوب.
المحور الثالث: العنف والمشروعية
تأطير إشكالي لمحور العنف والمشروعية
إن الحديث عن مشروعية العنف يثير مجموعة من التساؤلات الإشكالية المحيرة؛ من حيث إن العنف قد يرتبط أحيانا بممارسات الدولة، وأحيانا أخرى قد يكون ذا صلة بالتطلع نحو دولة الحق والقانون، خصوصا في اللحظة المعاصرة. فهل يمكن الحديث عن عنف مشروع وآخر غير مشروع؟ وإذا كان هناك عنف مشروع، فكيف يكون كذلك في مؤسسات تعمل على تحقيق المشروعية؟ ثم هل يمكن للخطاب الفلسفي أن يمجد العنف ويشرعنه بأي حال من الأحوال، حتى ولو في محاولة إحلال اللاعنف وتحقيق الأمن والسلام داخل المجتمع؟
الإشكالية المحورية
هل يمكن الإقرار بمشروعية العنف من زاوية الحق والقانون والعدالة؟
1)- موقف إيمانويل كانط
مع التصور الكانطي لا يجوز مجابهة العنف الصادر عن السلطة ذات الشرعية بعنف غير مشروع، بل ينبغي إقامة قطيعة مع كل مظهر أو شكل من أشكال العنف الذي لا يمكن أن يوجه ضد السلطة الشرعية، بل ويعتبره كانط، جرما عظيما يجب إدانته مهما كانت الأسباب، لأن العنف لا يولد إلا العنف، والعنف لا يواجه بالعنف. فهذا عمل غير مشروع وغير مقبول ونتائجه وخيمة، والدولة وحدها هي التي لها حق احتكار العنف بدون اعتراض من الرعايا داخل الجمهورية على هذا الحق، (لا يسمح مطلقا للرعايا أن يقاوموا أو يعترضوا على العنف بعنف مماثل)،
2)- موقف اريك فايل
3)- موقف حنا أرندنت
تنظر إلى العنف كشيء يحمل منطقا داخليا خطيرا يهدد وجود الإنسان، وبالأخص في الحالات العظمى (الإبادة، التطهير، التقتيل...). ولذلك لا يمكن أن يحظى العنف بالمشروعية، ولو كان مبررا أحيانا، كما في حالة الدفاع عن النفس أو المقاومة. وبذلك فمؤسسات السلطة تحاول أن تبرر العنف حينما تكون مهددة، لكن هذا التبرير الن يحوز أبدا على الشرعية أو المشروعية. (قد يبرر العنف، لكنه لن يحوز أبدا على المشروعية...).
4)- موقف ماكس فيبر
ترتكز السلطة على ممارسة العنف، فهي وحدها لها مشروعية استخدامه، لأن التعاقدات والمواثيق الاجتماعية تعني من بين ما تعنيه التنازل للدولة عن حق استعمال العنف في مجال سياسي يتميز بتقاسم السلط ومراقبتها، وعلى ذلك فالعنف المشروع هو حق من حقوق الدولة الحديثة التي تحتكر استخدامه لصالح الجماعة بطريقة ديمقراطية. (الدولة تقوم على علاقة سيطرة يمارسها الإنسان على الإنسان، وهي سيطرة تقوم على أساس استعمال العنف المشروع).
5)- موقف جوليان فروند
يحاول هذا المتخصص البارز في سوسيولوجيا (ماكس فيبر)، أن يعرض لأفكاره في السوسيولوجيا السياسية، والتي على رأسها أنه يحدد السياسة في أنها ذلك النشاط الذي يدعي حق الهيمنة والاحتكار بشأن السلطة فوق أرض معينة، مع إمكانية استعمال القوة أو العنف عند الحاجة: إما للحفاظ على النظام الداخلي والغرض الذي نجم عنه، وإما للدفاع عن المجتمع ضد أخطار خارجية. (تشكل القوة والعنف وسيلة السياسة عند الاقتضاء).
6)- موقف رالف لينتون
يقدم منظورا أنتروبولوجيا لأشكال العنف الممارس في بعض المجتمعات؛ فقد يكون مع بعضها عنفا مشروعا لا يستدعي أي تدخل لمنعه مادام لا يؤدي إلى أذى بالغ، أو إذا كان مسألة حاسمة للخلافات. في حين توجد مجتمعات أخرى تستنكر بشدة جميع حالات اللجوء إلى العنف. وهناك من الأفراد من يلجأ إلى الأعمال الشريرة بداعي التباهي ولفت الانتباه بدون وعي بما قد يجنيه ذلك عليه من طرد أو إقصاء اجتماعي داخل جماعته. (إن المنازعات قد تؤدي لأعمال عنف معروفة لدى الجميع، ولذا تتخذ الجماعة إجراءات لتسويتها قبل أن يستفحل أمرها).
7)- موقف كرمشاند غاندي
يتصور العنف كشيء سلبي وهدام ولا يمكن أن يصلح أساسا لبناء أي شيء. إنه نية سيئة تضمر حقدا. أما اللاعنف الذي يدين به (غاندي) ويدعو إليه، فهو ليس شيئا سلبيا واستسلاميا، بل هو نضال ضد الشر وضد الحقد وضد كل المظاهر السلبية. إنه القانون الذي يحكم النوع الإنساني، وبالتالي يمكن أن يحقق أشياء إيجابية في حين يظل العنف عنفا أي سلبا ورذيلة، وقانونا يحكم النوع الحيواني. وبالتالي فلا إيجابية ولا أحقية ولا مشروعية له. (إن اللاعنف هو الغياب التام للإرادة السيئة تجاه كل ما يحيا، بل... هو إرادة طيبة تجاه كل ما يحيا).
تركيب عام لمحور العنف والمشروعية
إن ما يمكن التوصل إليه انطلاقا من هذه الرؤى الفلسفية هو أن العنف يبقى مسألة أخلاقية وغير قانونية، ولا يمكن أن تحظى بأية مشروعية مهما كانت الأسباب والأحوال، أو على أقل تقدير دولة الحق والقانون هي وحدها التي تملك الحق والمشروعية في اللجوء إلى العنف كحل أخير حينما تستعصي الحلول السلمية.
خلاصة عامة لمفهوم العنف
إن ظاهرة العنف تعتبر ظاهرة ملازمة للإنسان ومحايثة لوجوده، ترافقه في كل زمان ومكان، وأينما حل وارتحل، بحكم نزعته العدوانية الحيوانية، التي نراها حاضرة عبر كل لحظات التاريخ التي مر منها، والتي عرفت أشكالا متعددة وممارسات متنوعة للعنف؛ بدءا من العنف المادي وانتقالا إلى العنف الرمزي، ومن العنف الفردي إلى العنف الجماعي، ثم من العنف السياسي إلى العنف الاقتصادي... ولكن رافق هذه التطورات مجهودات ونزعات إنسانية وأخلاقية ترفض العنف، وتدعو إلى تأطيره سياسيا، مما فتح المجال للحديث عن عنف مشروع وآخر غير مشروع. فكان الحل الوحيد هو عدم شرعنة العنف مهما كان الثمن، إلا إذا كان مشروعا داخل دولة الحق والقانون ويؤسس لحالة من اللاعنف.

تعليقات حول الموضوع

مواقعنا الإجتماعية

تابعنا على الفيسبوك

اكثر المواضيع تصفحا هذا الاسبوع

اكثر المواضيع تصفحا هذا الشهر

جميع الحقوق محفوظة لمدونة صوفي لايف © 2018