صوفي لايف

درس التفسير والفهم في العلوم الإنسانية / مفهوم العلمية في العلوم الإنسانية / مجزوءة المعرفة

 خطاطة الدرس (قيد الإعداد)



فيديو الدرس (قيد التسجيل)


ملخص الدرس



 

المحور الثاني : التفسير والفهم في العلوم الإنسانية


تأطير إشكالي للمحور

يتخذ التفسير مكانة مرموقة في العلوم الدقيقة، بل بشكل إلى جانب التنبؤ النواة الصلبة للعقلنة الطبيعية، فهل يمكن اتخاذه كمنهج ملائم لموضوع العلوم الإنسانية؟ ثم ألا يفرض اختلاف موضوع العلوم الطبيعية عن موضوع العلوم الإنسانية على هذه الأخيرة أن تبحث عن منهج آخر يلائمها قد يكون هو الفهم أو التأويل أو أي منهج أخر؟


موقف فيلهام دلتاي

يرفض التصورات القائمة على المنهج التجريبي في العلوم الإنسانية لأن هذه الأخيرة علوم روحية، تختلف مناهجها عن مناهج العلوم الحقة، ولأن الظاهرة الإنسانية ظاهرة تفهم وتؤول ولا تفسر، انطلاقا من كونها كلا لا يقبل التجزيء، يتداخل فيه ما هو نفسي بما هو اجتماعي، ويتم النفاذ إليه كتجربة داخلية عبر الفهم والتأويل، وذلك بخلاف العلوم الطبيعية التي تعتمد على التفسير بحكم أنها ذات مواضيع معزولة وخارجية. وتنطلق من الجزء في اتجاه الكل. (نفسر الطبيعة ونفهم الحياة النفسية).


موقف كلود ليفي ستراوس  

إذا كانت العلوم الدقيقة قد استطاعت الفصل بين عمليتي التفسير والتنبؤ، وحققت تقدما هائلا بفضلهما، فإن العلوم الإنسانية محكوم عليها بأن تحتل موقعا وسطا بين التفسير والتنبؤ؛ ذلك أن تفسيراتها فضفاضة وتقريبية وغير دقيقة، كما أن تنبؤاتها خاطئة في غالب الأحيان وغير يقينية، ومع ذلك فهي تقدم مثالا وسيطا بين المعرفة الخالصة القائمة على التفسير، والمعرفة النافعة القائمة على التنبؤ. (والحقيقة أن العلوم الإنسانية تجد نفسها في وسط الطريق بين التفسير والتنبؤ، كما لو كانت عاجزة عن السير في اتجاه التفسير أو في اتجاه التنبؤ).


موقف جيل غاستون غرانجي

 يرى أن نشاط العقل في الظواهر الإنسانية يتراوح بين نموذجين معرفيين هما: التفسير والفهم؛ فالتفسير هو كشف للعلاقات السببية الثابتة التي توجد بين عدد من الحوادث والوقائع، واستنتاج أن الظواهر المدروسة تنشأ عنها، وهذا ما يجعل العلوم الإنسانية ذات طبيعة تفسيرية موضوعية، بينما الفهم هو نشاط عقلي تأويلي، يرمي إلى فهم الفعل الإنساني، لكنه يبقى منهجا محدودا، لأنه يصبح عائقا أمام فعالية العقل في العلوم الإنسانية، ولأن المعرفة التي يقوم عليها هي معرفة مقصرة مشبعة بالذاتية وتجنح إلى متاهات الأسطورة والسحر. (إن المعرفة التي تتأسس على الفهم فقط هي معرفة مسرفة في مقتضياتها ومطالبها ومقصرة فيها بآن واحد).


موقف جول مونرو:

 يشدد على أهمية الفهم وقيمته الأساسية في إدراك المعاني واستخلاص الدلالات، انطلاقا من تجارب الذات الوجودية المباشرة، ذلك أنه بإمكان الذات فهم الواقعة الإنسانية من خلال اعتمادها على البداهة والوضوء كخاصيتين تميزان ظاهرة الفهم، وهذا ما يجعل الفهم منهجا كافيا ومكتفيا بذاته، وهنا يبرز نقد مونرو للنزعة الوضعية التي تسعى إلى تفسير الظاهرة تفسيرا سببيا ووضعيا يقلد نموذج العلوم الحقة. (الفهم هو بداهة مباشرة في حين أن التفسير هو تبرير أو تعليل حدوث ظاهرة ما بافتراض ظاهرة أخرى).


موقف أوغست كونت

 يرى رائد النزعة الوضعية ومؤسس الفيزياء الاجتماعية التي ستعرف فيما بعد باسم «علم الاجتماع» أنه بالإمكان دراسة الظواهر الإنسانية دراسة موضوعية ومادية، تفصل الظواهر عن كل تناول لاهوتي أو ميتافيزيقي، وحصرها في المنهج الوضعي، وذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على أن ما ينطبق على العلوم الحقة، ينطبق على الظاهرة الإنسانية من حيث جعلها قابلة للتجريب والقياس والترييض، وبالدرجة الأولى قابلة للتفسير الذي يكشف عن قواعد وقوانين اشتغال الظواهر المدروسة.


موقف كارل بوبر

يؤكد على تعارض المذهب التاريخي مع المذهب الطبيعي المنهجي في علم الاجتماع، لأن بعض مناهج العلوم الطبيعية لا يمكن تطبيقها على العلوم الاجتماعية؛ وذلك راجع إلى كون قوانين الطبيعة هي قوانين ثابتة وصادقة في كل زمان ومكان، وتنفلت من التاريخ، بينما القوانين الاجتماعية تتغير بتغير الزمان والمكان، وخاضعة لمنطق التاريخ، مما يجعلها ذات طابع نسبي، يحول دون القيام بتطبيق المنهج الفيزيقي (التعميم التجربة، التنبؤ الدقيق...) الكائن في علوم الطبيعة على العلوم الاجتماعية. (يقرر المذهب التاريخي أن اتصاف القوانين الاجتماعية بالنسبية التاريخية هو الذي يمنع من تطبيق المناهج الفيزيقية في علم الاجتماع).


موقف جوليان فروند

 يشير إلى النقاش التاريخي الذي ساد في أواخر القرن التاسع عشر حول الفروق المنهجية والإبيستمولوجية التي تميز العلوم الدقيقة عن العلوم الإنسانية، معتبرا أن الباحثين انقسموا إلى طرف يرى أن العلوم الإنسانية في خضوع وتبعية دائمة لعلوم الطبيعة، بينما يؤكد الطرف الثاني على استقلاليتها، لكن هذه الاستقلالية انتهت إلى التمييز بين منهج عام يقوم على أساس اختلاف الموضوع ومنهج خاص يقوم على وحدة الموضوع ورفض تجزئة الواقع. (وأيا يكن المنهج المعتمد، فإن كل واحد يقوم بعملية انتقاء من التنوع اللامحدود للواقع التجريبي).


موقف برونيسلاف مالينوفسكي

يشيد بالأنثروبولوجيا وقيمتها العلمية، من حيث توجهها نحو الثقافة باعتبارها بؤرة اهتمام العلوم الإنسانية، مما جعلها أكثر فتوة وجدة وحداثة . غير أن سعيها وغيرها من العلوم الإنسانية للاستفادة من المناهج العلمية التي سبقتها والتي تعتمدها العلوم الطبيعية بالدرجة الأولى، من شأنه أن يشكل خطورة على العلوم الإنسانية ولا يصلح لها، (هذه الخيوط التي تشد العلوم الإنسانية إلى العلوم الحقة أضرتها أكثر مما نفعتها).


تركيب عام للمحور

تعبر هذه المواقف عن اختلاف وتباين حول وضعية العلوم الإنسانية بين الفهم والتفسير، فإذا كان (دلتاي) و(مونرو)، قد ألحا على ضرورة البحث عن منهج خاص يلائم خصوصية الظاهرة الإنسانية، يؤيد هما (بوبر) في ذلك، ويوافقهما (مالینوفسكي)، الذي ارتأى بأن تطبيق منهج العلوم الدقيقة على العلوم الإنسانية فيه من الضرر أكثر من النفع، مما يستدعي نوعا من الاستقلالية بينهما كما يشير إلى ذلك (فروند). وإذا كانا قد أكدا كذلك على أهمية الفهم في دراسة الظاهرة الإنسانية، منتقدين بذلك التصور الوضعي الذي يؤكد على التفسير كعنصر تجريبي يمكن تطبيقه على تلك الظاهرة (كونت)، فإن (ستراوس)، و(غرانجي) يريان بأن العلوم الإنسانية لا زالت تتأرجح بين التفسير والتنبؤ، أو بين التفسير والفهم، مما ينعكس سلبا عليها، باعتبار تفسيراتها غير دقيقة، وتنبؤاتها غير يقينية، وفهمها قاصر ومشبع بالحدس الذاتي. لكن يبقى مع ذلك هذا النقاش المختلف اتفاقا في حد ذاته، طالما أنه يحاول إيجاد قاسم مشترك يضمن تحقيق علمية علوم الإنسان بين التفسير والفهم والتنبؤ والتأويل.

 

تعليقات حول الموضوع

مواقعنا الإجتماعية

تابعنا على الفيسبوك

اكثر المواضيع تصفحا هذا الاسبوع

اكثر المواضيع تصفحا هذا الشهر

جميع الحقوق محفوظة لمدونة صوفي لايف © 2018