صوفي لايف

درس مشروعية الدولة وغاياتها / مفهوم الدولة / مجزوءة السياسة

 




فيديو الدرس (حصري على قناة صوفي لايف)


https://www.youtube.com/watch?v=hkeYGxHu27g


ملخص الدرس


مجزوءة السياسة     

تقديم عام لمجزوءة السياسة

يبدو من البديهي أحيانا أن علاقة الشأن الفلسفي بالمجال السياسي قد تتبدى – لنا في شكل تعارض أو تناقض، أو علاقة توتر أو صراع، ومرد هذه المسألة إلى الاعتقاد بأن الفلسفي هو كل ما يرتبط بالنظر والتأمل والحكمة، في حين يحيل السياسي على الفعل والممارسة. أما الصراع فمرجعه هو الطابع النقدي للخطاب الفلسفي الذي كان منذ «سقراط»، «يبعث على الإزعاج»؛ فالسؤال الفلسفي الحقيقي سلاح يخترق المؤسسات والقيم، سؤال يحرج الفيلسوف ويزعج السياسي. فقد قال «أرسطو» من قبل : «الإنسان حيوان سياسي بالطبع»، وها هو أحدهم يسأل الفيلسوف الفرنسي «جان جاك روسو»، هل أنت أمير لتكتب في السياسة؟، فأجاب قائلا: «لا، ولهذا السبب أنا أكتب عن السياسة أو فيها، لأنه لو كنت أميرا أو مشرعا، لما أضعت وقتي في قول ما يجب فعله، وإنما لفعلته أو أحجمت عن الكلام».

 إن هذه المواقف لتكشف - لنا - ضرورة تورط الخطاب الفلسفي في الشأن السياسي، وهو تورط الغرض منه قول ما يجب فعله، لأن هذا الخطاب هو الوحيد القادر على الانفتاح على كل مستويات الوجود الإنساني، ومن هذه المستويات الممارسة السياسية التي تعتبر من أعلى إنتاجات النشاط البشري الجماعي، التي من شأنها أن تجعل المجتمع ينتقل من الوجود الاجتماعي التلقائي إلى الوجود السياسي المنظم والخاضع لضوابط وقوانين العقل ومبادئ الأخلاق. وتشكل الدولة الإطار المؤطر لهذه الممارسة باعتبارها تجسد تلك السلطة ذات السيادة في المجتمع. وهي السلطة التي تخولها التدخل بعنف أحيانا لإعادة مسار العلاقات الإنسانية الاجتماعية إلى توازنه واستقراره . هذا العنف قد ينظر إليه كحق مشروع تلجأ إليه الدولة باعتبار أنه يمكِّنها من أداء وظائفها بالشكل اللازم، لكنه يضع عدالة الدولة ذاتها في قفص الاتهام. وهذا الأمر يطرح أكثر من سؤال مشروع : فما الغاية من ممارسة السلطة السياسية؟ ومن أین تستمد مشروعيتها؟ وهل العنف الذي تلجأ إليه الدولة كوسيلة تروم من خلالها ضبط النظام وتنظيم العلاقات بين الأفراد هو عنف مشروع أم لا؟ وما الذي يمنحه هذه المشروعية؟ ثم ألا يشكل هذا العنف أحيانا مساسا بحقوق الإنسان والعدالة المنشودة وتهديدا لدولة الحق والقانون؟

مــــــــــفـــــــــــهـــــــــــوم الـــــــــــــــدولــــــــــــــــــــة

تقديم عام لمفهوم الدولة

 يطلق لفظ الدولة LETAT على مجموع المؤسسات التي تنظم حياة المجتمع في مجال ترابي محدد، هذه المؤسسات تشمل كل مجالات الحياة الاجتماعية التي تتمظهر في النواحي السياسية، الفكرية، القضائية، الإدارية والاقتصادية... إن الدولة، بصفة عامة، هي وسيلة لممارسة السلطة والهيمنة داخل المجتمع باعتبارها سلطة لها مشروعيتها، وذلك بغض النظر عن طبيعتها السياسية التي قد تكون مستمدة من الحق أحيانا ومن العنف أحيانا أخرى. إنها في نفس الوقت هي ما يضمن تنظيم حياة الأفراد والحفاظ على وحدة وتوازن المجتمع بشكل يسمح بسيادة القانون ويخدم المصالح العامة... فما الدولة؟ وكيف تمارس سلطتها السياسية؟ ثم، ما علاقة ممارستها بالعنف؟


-------المحور الأول : مشروعية الدولة وغاياتها -------


تأطير إشكالي للمحور


إذا كانت الدولة هي عبارة عن تنظيم سياسي لجماعة ما على أرض محددة، فإن ما يلاحظ هو أن الدولة نتاج لتطور تاريخي. وإذا كنا لا يمكن أن نتصور الإنسان إلا داخل المجتمع، فإن الإنسان يمكن أن يعيش بدون دولة، كما تشهد على ذلك الجماعات الإنسانية البدائية»، أي أن الدولة حادث تاريخي، وهو ما يمنح المشروعية النظرية للتساؤلين الإشكاليين التاليين: من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما الغاية منها؟


موقف أرسطو


يعتبر أرسطو أن الإنسان حيوان سياسي بطبعه، لكونه لا يقدر على العيش بعيدا عن جماعته الاجتماعية ؛ إذ من المفروض عليه أن ينخرط في مؤسسات العائلة والدولة. وبما أنه كان لزاما أن يتقدم الكل على الجزء من المنظور الأرسطي، فإن فكرة الدولة سبقت وجود الإنسان داخل الأسرة، فالدولة هي التي تؤمن الاكتفاء الذاتي والعيش الرغيد، ومن ثم فغايتها تحصيل الخير والسعادة لسائر الأفراد، وتأمين حياة فاضلة يسودها الخير والعدل والمساواة. «إن الدولة من الأمور الطبيعية، والإنسان من طبعه حيوان مدني».


موقف طوماس هوبس


يرى أن الغاية من إنشاء الدولة كمجتمع سياسي هي ضمان سلم مدني ومنع حرب دائمة بين الأفراد، فالدولة هي نتاج لميثاق تعاقدي بين البشر، انتقلوا بموجبه من حالة الطبيعة (حرب الكل ضد الكل) إلى حال المدنية. وذلك من خلال تنازل كل فرد بمحض إرادته عن جزء من حريته الخاصة أو سلطته أو قوته لصالح رجل واحد أو مجلس واحد، يخضع له كل أفراد المجتمع ويتمتع بسلطة مطلقة تضمن الأمن والسلم الاجتماعيين،« يسمى اتحاد الكثرة في كيان واحد دولة... وهي التي ندين لها بما نحن فيه من سلام وأمن»


موقف باروخ اسبينوزا


يرفض حصر الغاية من وجود الدولة في الهيمنة والتسلط وفرض الطاعة على الناس، ويرى بأن الغاية من تأسيسها هي تحقيق الحرية وتمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود باعتباره وجودا حرا، دون إلحاق الضرر بالغير، وبالتالي فهذه الحرية التي يشير إليها هي حرية أخلاقية، لا تتعارض مع قوانين العقل؛ بحيث تبتعد عن إلحاق الضرر بالآخرين، كما تحرر الإنسان من العنف والخوف، ومن احتكار الدولة للسيطرة على الأذهان وهذا ما يمنح الدولة مشروعية وجودها وممارستها للسلطة. «الحرية إذن هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة».


موقف جون لوك


تتأسس مشروعية الدولة على ضرورة حماية أمن الناس وسلامتهم وممتلكاتهم ( الحياة، الحرية، سلامة البدن، الأرض، النقود، المنقولات...)، وذلك انطلاقا من قوانين مفروضة بشكل متساو على الجميع، وأي شخص يحاول انتهاك هذه القوانين، يعاقب بتجريده من بعض أو كل تلك الخيرات التي كان من المفروض أن يتمتع بها في ظل الحكم المدني،  «يبدو لي ... أن اختصاص الحاكم يقتصر فقط على الخيرات المدنية. وأن حقوق السلطة المدنية تنحصر في المحافظة على تلك الخيرات». 


موقف فريدريك هيجل


على عكس الطرح التعاقدي الذي يختزل غاية الدولة في كونها مجرد وسيلة لإرضاء حاجات الأفراد ورعاية تطلعاتهم نحو الحرية والعدالة، وهذه الأمور أهداف خاصة بالمجتمع المدني، يرى «هيجل» أن الدولة هي غاية في ذاتها، لأنها تجسد الروح المطلق، والإرادة العامة العقلية، الحرة والكلية. إنها هي التي تحرر الفرد من الانزواء حول ذاته وحول مصلحته الفردية، إنها هي التي تضمن الارتقاء من الفردي نحو العام والكوني" إنها حقيقة روح العالم. «إن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية». 


موقف ماكس فيبر:


 السياسة هي مجال تدبير الشأن العام وتسييره، والدولة ذاتها، ليست إلا تعبيرا عن علاقات الهيمنة القائمة في المجتمع، وهي الهيمنة التي تقوم على مبد المشروعية انطلاقا من سلطة عقلانية قائمة على الاعتقاد بقواعد ومعايير موضوعية لصلاحية وكفاءة نظام مشروع وعلى تفويض لمقاليد السلطة. وسلطة تقليدية ترتبط بالاعتقاد بقدسية التقاليد وبشرعية مكانة السلطة ومن يمثلها، ثم سلطة كاريزماتية لدنية) متأسسة على الولاء المطلق الخاصة ما كالبطولة أو شخص يعتبر قدوة أو نظام زعيم ما. «هناك ثلاثة أسس للمشروعية... نفوذ التقاليد المقدسة... والنفوذ المبني على السحر الشخصي والفائق لفرد ما ... والسلطة التي تفرض نفسها بفضل الشرعية».


تركيب عام للمحور


إن هذه الأطروحات المتعلقة بمشروعية الدولة وغاياتها، تتباين بين من يراها قائمة عل منظور اتفاقي تعاقدي، يحفظ الأمن والسلم ويكفل تحقق الحرية الإنسانية، وبين من يراها تجسد تلك الإرادة العقلانية العامة الكونية التي تعبر عن المضمون الحق للحرية المطابقة للعقل، تجسد بجلاء أهمية الدولة ودورها الرائد في التحقيق الفعلي لإنسانية الإنسان، بل وتوفير شروط تحقيق كماله.

تعليقات حول الموضوع

مواقعنا الإجتماعية

تابعنا على الفيسبوك

اكثر المواضيع تصفحا هذا الاسبوع

اكثر المواضيع تصفحا هذا الشهر

جميع الحقوق محفوظة لمدونة صوفي لايف © 2018