مفهوم الوعي: المحور 3: الإيديولوجيا والوهم
المحور الثالث : الإيديولوجيا والوهم
I.
تحليل نص "وظائف
الإيديولوجيا" بول ريكور
1- إشكالية النص
ما هي العلاقة
القائمة بين الوعي والإيديولوجيا...؟
هل يتمكن الإنسان
انطلاقا من وعيه أن يدرك الواقع كما هو...؟
كيف تتدخل
الإيديولوجيا في تشويه الواقع وقلب الحقائق وإنتاج الوهم في الوعي...؟
2- أطروحة النص
حاول بول ريكور أن
يصل إلى نتيجة نهائية مفادها أن محتويات الوعي الإنساني عبارة عن وهم، هذا الوهم
ناتج عن الاستعمالات المتعددة للإيديولوجيا، التي تعمل على إنتاج صورة مزيفة وغير
حقيقية عن الواقع، وذلك عن طريق ثلاث وظائف أساسية وهي: التشويه والتبرير
والإدماج.
3- البنية المفاهيمية للنص:
الإيديولوجيا في معناها القديم: تعني علم الأفكار،
أو العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس. وفي معجم العلوم الاجتماعية والفلسفية: مجمل التصورات والأفكار
والمعتقدات وطرق التفكير لمجموعة ما أو فئة اجتماعية أو طائفة دينية أو حزب سياسي.
أما في كتاب "الإيديولوجيا الألمانية" لماركس وانجلز: فتقلب الأشياء رأسا علي عقب، وهي الصور الكاذبة التي يرسمها الناس عن
أنفسهم.
·
الوهم : لغةً، هو الظنُّ الفاسد
والخداع الحسِّيُّ وكلُّ ما هو غير مطابق للواقع.
وفلسفيا: هو كلُّ
خطأ في الإدراك الحسِّي أو في الحُكْم بشرط أنْ يُعَدَّ
هذا الخطأُ طبيعيًا بمعنى أنَّ الذي يرتكبه يكون قد خدعَتْه المظاهرُ.
·
التشويه : إعطاء صورة مشوهة
وغير حقيقية عن الواقع.
·
التبرير : هو تفسيرُ المرء سلوكَه بأسباب معقولة أو مقبولة ولكنَّها غير
صحيحة. وحسب النص يستعمل التبرير لإعطاء مشروعية لممارسة إنسانية غير مقبولة على
المستوى السياسي أو الاقتصادي....
·
الإدماج : هو محاولة إقحام وإشراك الأفراد في نسق من الأفكار والاعتقادات داخل جماعة
ما، أو اتجاه سياسي أو ديني...
·
الهوية : هي الخصائص الثابتة والجوهرية والأساسية المميزة لشيء ما عن
باقي الأشياء الأخرى.
4- البنية الحجاجية للنص:
التفسير + الجرد والإحصاء
قدم مفهوم الإيديولوجيا وفسره، وذلك بتقسيم وظائفه إلى ثلاث أدوار
رئيسية:
- الإيديولوجيا كتشويه للواقع. لإنتاج صورة معكوسة
ومشوهة عن الواقع. لخدمة هدف معين لدى مستعمِلها..
- الإيديولوجيا كتبرير للوضع القائم. حيث تعمل
الطبقة المسيطرة على تبرير مجموعة من الممارسات و الأفكار لإضفاء المشروعية على
مخططاتها ومشاريعها.
- الإيديولوجيا كإدماج للأفراد في هوية الجماعة (دينية،
سياسية، فكرية) ومحاولة ترسيخ هذه الهوية لديهم. ويعتبر الإدماج أعمق وظيفة
للإيديولوجيا حيث أنه يتضمن الوظيفتين السابقتين "التشويه والتبرير" اللتين
يستعملان كتمهيد لعملية الإدماج.
·
الاستشهاد : استشهد صاحب النص بالفيلسوف "كارل ماركس" الذي أكد
بدوره أن الإيديولوجيا تشوه وعي الناس بحيث لا تعكس واقعهم.
·
الاستعارة : الإيديولوجيا
بمثابة العلبة السوداء، تقوم بقلب الواقع مثلما تقوم العلبة السوداء بقلب أشياء
الواقع في عملية التصوير الفوتوغرافي.
·
المثال : إعطاء مثال "السلطة الكليانية" كنظام سياسي تتجلى فيه
الوظيفة التبريرية للإيديولوجيا. وإعطاء مثال "الاحتفال بإحياء الأحداث
التاريخية والسياسية لجماعة ما"، وذلك من أجل توضيح الوظيفة الإدماجية
للإيديولوجيا.
استنتاج
حسب "بول ريكور" فالنتيجة النهائية للوظائف الثلاثة
للإيديولوجيا هي نقل صورة مشوهة عن الواقع للذهن الإنساني. إذ تُستعمل هذه الوظائف
في إنتاج الوهم في الوعي. ومن هنا يمكن اعتبارها أخطر ظاهرة يتعرض لها الوعي، فهي
تجعله زائفا ومشوها، لا يقدم أبدا حكما موضوعيا لا عن الذات ولا عن الواقع، وأيضا
تعمل على التبرير، بجعل أفكار الطبقة المهيمنة هي الأفكار المسيطرة. وذلك لتسهيل عملية الإدماج بخلق هوية موحدة
على أساس مجموعة من الأوهام.
II.
موقف إريك فايل:
الوعي بالنسبة لصاحب النص هو أساس وجود الإنسان، وبدون هذا الوعي المؤسس
لا يوجد معنى بالكل. كما أن التفكير في المعنى هو من اختصاص الفلسفة وليس من
اختصاص العلم .
خلاصة تركيبية
يعالج المحور الثالث علاقة الوعي بالواقع و الوجود الإنساني. فهل يعكس
الوعي الواقع الحقيقي للإنسان؟ و هل هو ضروري لإضفاء معنى للحياة؟ وقد تعرفنا على
أطروحتين رئيسيتين: الأولى يمثلها الفيلسوف بول ريكور الذي حدثنا عن الوعي
كإيديولوجيا تقوم بثلاث و ظائف أساسية؛ تشويه الواقع، و تبريره، وإدماج الأفراد في
هوية الجماعة. واعتبر ريكور أن الإدماج هو أهم وظيفة تقوم بها الإيديولوجيا
باعتبار أنه يتضمن الوظيفتين السابقتين معا. أما الأطروحة الثانية فيمثلها
الفيلسوف إريك فايل الذي ذهب إلى أن الوعي لا يشوه الواقع ولا يقلبه، بل هو على
العكس من ذلك يمنح معنى للوجود الإنساني. وهذا التفكير في المعنى هو من اختصاص
الفيلسوف ويخرج عن إطار اهتمامات العالم.